في توقيت بالغ الحساسية، شهد العالم حادثين دمويين متزامنين تقريبًا: هجوم على قوات أميركية قرب مدينة تدمر السورية، وإطلاق نار استهدف يهودًا خلال احتفالات دينية في مدينة سيدني الأسترالية. تزامن الحدثين فتح الباب أمام تساؤلات خطيرة: هل نحن أمام مصادفة عشوائية؟ أم أمام هندسة سياسية وأمنية تهدف لإجهاض مسار السلام الذي تقوده إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب؟
تدمر.. ضربة محسوبة في لحظة سياسية حرجة
الهجوم الذي وقع قرب تدمر وأسفر عن مقتل ثلاثة جنود أميركيين وإصابة آخرين، جاء في وقت كانت فيه واشنطن تدرس تقليص وجودها العسكري في سوريا، والانفتاح على النظام الجديد، وربما إلغاء قانون قيصر.
ورغم توجيه الاتهام سريعًا لتنظيم داعش، فإن طبيعة العملية ودقتها الاستخباراتية أثارت شكوكًا واسعة، خاصة أن التنظيم بات شبه مفكك، ولا يمتلك – وفق خبراء – القدرة على تنفيذ هجوم بهذه الحساسية دون دعم معلوماتي متقدم.
من المستفيد من تفجير تدمر؟
بحسب التحليل، فإن المستفيد الأول من استمرار الفوضى في سوريا هو إسرائيل، التي لا ترغب في انسحاب القوات الأميركية، ولا في استقرار سياسي قد يفتح الباب أمام تسويات إقليمية تضغط عليها، سواء في الملف السوري أو الفلسطيني.
سيدني.. إطلاق نار ورسائل أبعد من الجغرافيا
في الجانب الآخر من العالم، جاء حادث سيدني، الذي استهدف يهودًا خلال عيد ديني، ليُتهم فيه الإيرانيون بشكل فوري، قبل اكتمال أي تحقيق رسمي.
الرسالة بدت واضحة: تصوير الخطر الإيراني – الإسلامي – على أنه تهديد عالمي، وليس إقليميًا فقط، بما يعزز الضغوط على ترامب لعدم فتح أي مسار تفاوضي مع طهران أو العودة للاتفاق النووي.
فخ مزدوج للبيت الأبيض
يرى مراقبون أن إسرائيل وضعت إدارة ترامب بين فكي كماشة:
الفك الأول: دماء الجنود الأميركيين في سوريا، بما يفرض ضغطًا شعبيًا وأمنيًا لعدم الانسحاب.
الفك الثاني: استهداف يهود في أستراليا، بما يخلق ضغطًا أخلاقيًا وإعلاميًا عالميًا.
النتيجة: إجهاض أي حديث عن تهدئة أو سلام، وإعادة تبرير خيار الحرب الشاملة.
تفكيك رواية “الذئاب المنفردة”
سرعة توجيه الاتهامات، سواء لداعش في تدمر أو لإيران في سيدني، أعادت إلى الأذهان سيناريوهات ما بعد 11 سبتمبر، حيث تُستخدم العمليات الإرهابية – حقيقية أو مُدبَّرة – كذريعة لإشعال حروب كبرى، ومنح “شيك على بياض” لتصفية الخصوم.
إسرائيل من إضعاف الخصوم إلى إغلاق الملفات
وفق التحليل، انتقلت تل أبيب من سياسة “إضعاف الخصوم” إلى سياسة “إغلاق الملفات”:
اغتيالات في لبنان وغزة
إفشال وقف إطلاق النار
فرض شروط تعجيزية مثل نزع سلاح المقاومة
تعطيل أي مسار دولي لنشر قوات سلام حقيقية
وكل ذلك يتناقض مباشرة مع بنود اتفاقات السلام التي نوقشت في قمة شرم الشيخ.
ترامب بين السلام والدولة العميقة
الرئيس الأميركي، بحسب المعطيات، يميل إلى فرض السلام بالقوة، وتقليل الانخراط العسكري، والتركيز على الاستقرار والاستثمار.
لكن في المقابل، تقف “الدولة العميقة” داخل الولايات المتحدة، متقاطعة المصالح مع إسرائيل، كعقبة رئيسية أمام تنفيذ هذه الرؤية.
وعي عربي ودولي في مواجهة السردية
حادث سيدني كشف مفارقة لافتة: الشخص الذي أوقف المجزرة ومنع اتساعها كان مسلمًا سوريًا، ما ضرب السردية الإسرائيلية التي تسعى لشيطنة المسلمين واعتبارهم خطرًا وجوديًا عالميًا.
هل نحن أمام 11 سبتمبر جديد؟
الأحداث المتزامنة، وسرعة الاتهامات، وتوظيف الدم سياسيًا، كلها مؤشرات تثير مخاوف حقيقية من هندسة فوضى إقليمية جديدة، قد تعيد الشرق الأوسط إلى مربع الحرب المفتوحة.
يبقى السؤال الأهم:
هل سينجح نتنياهو في الالتفاف على خطة ترامب ومجلس السلام؟ أم يتمسك البيت الأبيض بخيار التهدئة رغم كل الضغوط؟
د.ماك شرقاوي الكاتب الصحفي
والمحلل السياسي المتخصص في الشأن الأميركي
رابط الحلقة :
