د.ماك شرقاوي يكتب: ليبيا بين تهريب النفط وتفشي الفساد: أي مستقبل ينتظر البلاد؟
في ظل الفوضى الاقتصادية التي تعصف بليبيا، يتزايد القلق بشأن مستقبل البلاد، خاصة مع استمرار تهريب النفط وتفشي الفساد. أصدر مجلس الأمن الدولي مؤخرًا تقريرًا يكشف عن مدى اختلاس الأموال والفساد المستشري في ليبيا، مما يثير تساؤلات حول الاتجاه الذي تسير نحوه البلاد.
أشار تقرير فريق الخبراء المعني بليبيا التابع للأمم المتحدة إلى أن الجماعات المسلحة وصلت إلى مستوى غير مسبوق من النفوذ داخل مؤسسات الدولة، خاصة في المنطقة الغربية، حيث أصبحت تعرقل قدرة المؤسسات على أداء مهامها باستقلالية. وأوضح التقرير أن تهريب الوقود بات يشكل مصدر دخل رئيسي لهذه الجماعات، حيث تستغل الشركة العامة للكهرباء في طرابلس ومرافق الميناء القديم في بنغازي لتحويل كميات كبيرة من الوقود، مما يؤثر سلبًا على المؤسسة الوطنية للنفط وشركة البريقة لتسويق النفط.
بالإضافة إلى ذلك، كشف التقرير عن تفشي الفساد في الشركة العامة للكهرباء، وسط سيطرة الجماعات المسلحة على إدارتها، ومنع الرقابة الوطنية من التدقيق في حساباتها. وأكد أن لجنة مكافحة الفساد في قطاع الكهرباء، التي شُكلت عام 2024، واجهت تهديدات بالقتل ورفضًا للتعاون من إدارة الشركة أثناء تحقيقها في قضايا تهريب الوقود والفساد المالي.
أفاد تقرير لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة بأن خمس جماعات مسلحة ليبية ارتكبت انتهاكات منهجية للقانون الإنساني الدولي وقوانين حقوق الإنسان، بما في ذلك الاحتجاز التعسفي والقتل والتعذيب وتدمير الممتلكات المدنية، خاصة في بنغازي وطرابلس. وأشار التقرير إلى أن المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين كانوا أكثر عرضة للخطف والاختفاء القسري والترهيب.
كما رصد التقرير انتهاكات بشأن تجميد الأصول الليبية، مشيرًا إلى اكتشاف عدم امتثال 10 دول و16 مؤسسة مالية للعقوبات المالية المفروضة على ليبيا، مما أدى إلى تآكل الأصول المجمدة. وأوضح أن بعض حالات عدم الامتثال تسببت في تآكل الأصول المجمدة، حيث استمرت الممارسات غير المتسقة في فرض رسوم الفائدة السلبية ورسوم الإدارة، وتنفيذ إدارة الأصول النشطة، وإيداع الدخل على الأموال المجمدة، في تجاهل للقرارات ذات الصلة.
في ظل هذه التحديات، يبقى مستقبل ليبيا غامضًا. تعتمد الآفاق الاقتصادية لليبيا بشكل كبير على قطاع النفط والغاز، الذي يهيمن على إجمالي الناتج المحلي والإيرادات الحكومية والصادرات. من المتوقع أن ينتعش إنتاج النفط إلى 1.2 مليون برميل يوميًا في عام 2025، و1.3 مليون برميل يوميًا في عام 2026، مما يعزز نمو إجمالي الناتج المحلي إلى 9.6٪ في عام 2025، و8.4٪ في عام 2026. ومع ذلك، لا تزال الآفاق الاقتصادية مرهونة بالاستقرار السياسي والجهود الاستراتيجية لتنويع الاقتصاد بعيدًا عن المحروقات.
بالإضافة إلى ذلك، تتجه ليبيا لتفعيل قرار يقضي بوقف تبادل النفط الخام مقابل المحروقات المستوردة، سعيًا لتقليل الهدر في الدعم، والحد من ظاهرة تهريب الوقود إلى خارج البلاد. وكانت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا قد أعلنت وقف العمل بآلية مقايضة النفط الخام بالوقود، اعتبارًا من مارس المقبل، بناءً على قرار النائب العام وديوان المحاسبة، داعية إلى توفير الميزانيات المخصصة للمحروقات من قبل وزارة المالية والمصرف المركزي؛ لتفادي عودة ظاهرة الازدحام، أو تأثر محطات الكهرباء.
في الختام، يتطلب مستقبل ليبيا معالجة جادة لقضايا الفساد وتهريب النفط، وتعزيز الاستقرار السياسي، وتنويع الاقتصاد بعيدًا عن الاعتماد المفرط على قطاع النفط، لضمان تحقيق نمو مستدام ورفاهية للشعب الليبي.
من نيويورك د.ماك شرقاوي
الكاتب الصحفي والمحلل السياسي
المتخصص في الشأن