د. ماك شرقاوي يكتب: مصر بين التحديات وحدود النار: الجيش المصري في مواجهة المخاطر الإقليمية
لا صوت يعلو فوق صوت القوة، حيث يقف الجيش المصري على أهبة الاستعداد لمواجهة المخاطر التي تعصف به من جميع الاتجاهات. المعركة لم تنتهِ، وإذا كان الجيش المصري قد نجح في تحقيق الإنجاز مرة، فإنه قادر على تحقيقه مرارًا وتكرارًا. فمن رمال سيناء إلى أعماق البحر الأحمر وساحل البحر المتوسط، تمتلك مصر منظومة عسكرية متكاملة تفرض قوتها الضاربة وتتصدى لكل من يحاول العبث بأمنها القومي.
التسليح الحديث والاستراتيجية العسكرية
يعتمد الجيش المصري على تسليح حديث وتخطيط استراتيجي متكامل، مدعومًا بعقيدة قتالية راسخة تجعله رقمًا صعبًا في موازين القوى الإقليمية والعالمية. ومع تصاعد التهديدات والمخاطر الإقليمية، تعيد مصر رسم خريطة القوة لتعزيز جاهزيتها واستعدادها لأي مواجهة قد تُفرض عليها.
سيناء والجبهة الشرقية: بين الردع والاستعداد
تمثل الحدود المصرية مع إسرائيل وقطاع غزة على الجبهة الشرقية نقطة ساخنة تتطلب توازنًا دقيقًا بين الردع والاستعداد. في سيناء، تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن تحركات عسكرية مصرية تشير إلى تغييرات في انتشار القوات المصرية هناك، مما أثار قلق المسؤولين الإسرائيليين. ووفقًا لصحيفة “إسرائيل هيوم”، فإن السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة يتهم مصر ببناء قواعد عسكرية في سيناء ذات طابع هجومي. هذه التقارير تأتي بعد المواقف المصرية الرافضة لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتهجير سكان غزة خارج القطاع، مما أدى إلى تصعيد التوتر بين القاهرة وتل أبيب.
محور فيلادلفيا: بؤرة التوتر بين مصر وإسرائيل
يبقى محور فيلادلفيا، وهو الشريط الحدودي بين سيناء وقطاع غزة، محورًا للتوتر بين مصر وإسرائيل. فقد سيطرت عليه القوات الإسرائيلية في مايو 2024 خلال عملية عسكرية في رفح، ويبلغ طوله 14.5 كيلومترًا ممتدًا من البحر المتوسط حتى معبر كرم أبو سالم. رغم أن اتفاقية كامب ديفيد 1979 أعادت سيناء إلى السيادة المصرية، إلا أنها فرضت قيودًا أمنية وتنظيمية على المنطقة، لا تزال آثارها مستمرة حتى اليوم.
التعديلات العسكرية في سيناء
في عام 2021، أعلنت مصر وإسرائيل تعديلًا في معاهدة السلام، يسمح بزيادة عدد القوات المصرية في سيناء لمواجهة الجماعات المسلحة والإرهابية. وأكدت مصر أنها لن تساوم على حماية حدودها، بل جعلت من التسليح المتطور خيارًا استراتيجيًا لحماية الأمن القومي في جميع الاتجاهات.
تنويع مصادر التسليح: استراتيجية عسكرية متكاملة
يمتلك الجيش المصري ترسانة عسكرية متنوعة، حيث يعتمد على مصادر تسليح متعددة، تمنحه تفوقًا تكتيكيًا في جميع المجالات:
التعاون العسكري مع الولايات المتحدة
مقاتلات F-16 بأنواعها المختلفة، والتي تعد العمود الفقري للقوات الجوية المصرية.
دبابات أبرامز M1A1، مع إنتاج بعضها محليًا في مصر.
مروحيات أباتشي الهجومية لدعم العمليات البرية.
طائرات النقل C-130 لدعم العمليات اللوجستية.
منظومات دفاع جوي متطورة لحماية المجال الجوي المصري.
التعاون العسكري مع روسيا
مقاتلات MiG-29 القادرة على القتال في مختلف الظروف الجوية.
منظومات الدفاع الجوي S-300 و Buk-M2 لتعزيز القدرة الدفاعية.
مروحيات Ka-52 التمساح الهجومية المصممة لحاملات المروحيات مسترال.
دبابات T-90 التي تم الاتفاق على تصنيعها جزئيًا في مصر.
التعاون العسكري مع فرنسا
مقاتلات رافال، حيث كانت مصر أول دولة تمتلكها خارج فرنسا.
حاملات المروحيات مسترال (جمال عبد الناصر وأنور السادات)، وهي أول سفن هجومية من نوعها في المنطقة.
فرقاطات Gowind 2500، بعضها تم تصنيعه محليًا.
فرقاطات فريم، واحدة من أكبر السفن الحربية تطورًا في العالم.
التعاون العسكري مع الصين وكوريا الجنوبية وأوروبا
طائرات بدون طيار Wing Loong الصينية التي أثبتت كفاءتها في مكافحة الإرهاب.
أنظمة دفاع جوي متقدمة HQ-9B المشابهة لمنظومة S-300 الروسية.
مدافع K9 Thunder الكورية الجنوبية لتعزيز سلاح المدفعية.
غواصات وفرقاطات أوروبية حديثة من ألمانيا، إيطاليا، بريطانيا، وإسبانيا.
التوازن العسكري والردع الإقليمي
أثار هذا التسليح المتطور حفيظة إسرائيل، حيث تساءل مندوبها في الأمم المتحدة عن أسباب امتلاك مصر لهذا الكم من المعدات الحديثة. ورد عليه المندوب المصري بأن القوة العسكرية المصرية ليست تهديدًا لأحد، لكنها ضرورة لضمان الردع والاستقرار في المنطقة. ففي منطقة تحكمها موازين القوة، لا يمكن ترك الأمن للمصادفة.
التحديات على جميع الجبهات: بين البحر والبر
تواجه مصر تحديات متعددة على حدودها، مما يتطلب جاهزية عسكرية شاملة:
الحدود الشرقية (سيناء وغزة)
التوتر المستمر مع إسرائيل وقطاع غزة، خصوصًا مع استمرار الاشتباكات في محور فيلادلفيا.
مكافحة التنظيمات الإرهابية في سيناء وتأمين المناطق الحدودية.
الحدود الغربية (ليبيا)
انتشار الميليشيات المسلحة في ليبيا يمثل خطرًا مباشرًا على الأمن المصري.
تهريب الأسلحة والعناصر المتطرفة يستوجب رقابة مشددة من القوات المصرية.
الحدود الجنوبية (السودان)
التوترات السياسية والنزاعات القبلية في السودان قد تمتد آثارها إلى مصر.
مكافحة تهريب الأسلحة والمخدرات وتأمين الحدود مع السودان.
المياه الإقليمية (البحر المتوسط والبحر الأحمر)
حماية موارد الطاقة في شرق المتوسط وسط تنافس دولي محتدم.
ضمان أمن قناة السويس، التي يمر عبرها 12% من التجارة العالمية.
مواجهة القرصنة والتهديدات البحرية في البحر الأحمر.
القدرات العسكرية المصرية عالميًا
وفقًا لتصنيف “Global Firepower” لعام 2025، يحتل الجيش المصري المرتبة التاسعة عشر عالميًا، وهو الأقوى عربيًا وإفريقيًا. يضم الجيش المصري:
450,000 جندي في الخدمة الفعلية.
1050 طائرة حربية متنوعة.
83 مطارًا عسكريًا صالحًا للخدمة.
36 قطعة بحرية، منها 8 غواصات متطورة.
حاملتا مروحيات من طراز مسترال.
أكثر من 4,500 دبابة قتالية.
منظومات دفاع جوي متطورة، تشمل S-300 وHQ-9B.
القواعد العسكرية المصرية: نقاط ارتكاز استراتيجية
قاعدة برنيس العسكرية: أكبر قاعدة عسكرية في البحر الأحمر.
قاعدة محمد نجيب العسكرية: أكبر قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط وأفريقيا.
قاعدة شرق بورسعيد العسكرية: لتعزيز الأمن البحري في قناة السويس.
قاعدة 3 يوليو العسكرية: لتأمين البحر المتوسط وحماية الحدود البحرية.
ختامًا: الجيش المصري بين التحديات والردع الاستراتيجي
في مواجهة التحولات الإقليمية المتسارعة والتوترات الحدودية، يواصل الجيش المصري تعزيز قدراته ليكون قوة عسكرية يُحسب لها ألف حساب. من سيناء إلى البحر الأحمر والمتوسط، ومن الحدود الغربية إلى الجنوبية، تسعى مصر إلى تحقيق معادلة الأمن والردع والاستقرار وسط بيئة جيوسياسية مضطربة.