د. ماك شرقاوي يكتب: مصر ترسم ملامح شرق أوسط جديد

2

لم يكذب الرئيس الصيني حين أكد أن الشراكة مع مصر تمثل حجر الزاوية في تشكيل شرق أوسط جديد. فقد أثبتت القاهرة اليوم أنها قادرة على تحريك مشهد إقليمي معقد وجذب اهتمام العالم، حين نجحت خلال أسبوع واحد فقط في حشد 31 دولة من كبرى دول العالم، في ظل ظروف دولية متشابكة ومتغيرة.

فرغم أن أجندات زعماء هذه الدول عادة ما تكون مزدحمة ومحجوزة لعدة أشهر مقدماً، إلا أنهم لبّوا دعوة مصر دون تردد، وحضروا من كل أنحاء العالم إلى شرم الشيخ، ليؤكدوا مكانة القاهرة ودورها المحوري في المنطقة.

حضور عالمي رفيع المستوى في شرم الشيخ

شهدت القمة حضور شخصيات بارزة، على رأسها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إلى جانب قادة أوروبا بالكامل، في مشهد يعكس ثقل مصر الدبلوماسي وقدرتها على جمع أطراف العالم في لحظة واحدة على أرضها.

وفي الوقت ذاته، ظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منتشياً بين عدد من رموز وقادة الدول المشاركة، مما أثار تساؤلات حول نواياه الحقيقية بشأن مستقبل الشرق الأوسط.

هل يعيد ترامب ترتيب أوراق المنطقة؟

تساؤل يطرح نفسه: هل يسعى ترامب بالفعل لإحلال السلام والرخاء في المنطقة كما يعلن، أم أنه يحاول إعادة طرح “صفقة القرن” القديمة في ثوب جديد؟
يؤكد أحد الخبراء المقربين من دوائر صنع القرار في واشنطن أن الولايات المتحدة تمتلك استراتيجية طويلة المدى تُحدث كل عشر سنوات، آخرها كانت عام 2018، وتركز على التوجه شرقاً لمواجهة الخصوم التقليديين: روسيا والصين.

ويرى أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة – من بايدن إلى ترامب – كانت تميل إلى ترك دور “شرطي المنطقة” لإسرائيل، لكن المشهد اليوم تغيّر، إذ أصبحت مصر هي شرطي المنطقة الحقيقي، القادرة على إدارة الملفات وحلحلتها بذكاء وحكمة.

مصر تتحول إلى الحليف الأقوى لواشنطن

بحسب المتحدث، فإن ترامب وجد في القاهرة الحليف القادر على تحقيق الاستقرار، إذ أثبتت التجربة أن مصر وحدها تملك الإرادة والحكمة للتعامل مع القضايا الإقليمية المعقدة.
ويضيف أن مصر، عبر تحركاتها الأخيرة، تمكنت من جمع قادة العالم وفتح ملفات كانت مجمدة منذ سنوات.

الاتفاقات الإبراهيمية في منظور ترامب

يراهن ترامب على الاتفاقات الإبراهيمية كنقطة انطلاق لتحقيق رؤيته الجديدة للمنطقة، مشيراً مراراً إلى ضرورة استثمار “الثروات العربية الهائلة” في إعادة بناء الإقليم.
لكن الخبراء يرون أن الأموال وحدها لا تكفي، فالإرادة السياسية والقدرة على القيادة هما العنصران الحاسمان.

وفي هذا السياق، تتجه الأنظار إلى القاهرة، التي تمتلك مفاتيح معظم الملفات الشائكة. فقد لعبت دوراً محورياً في حل العديد من القضايا خلال العامين الماضيين، رغم محاولات أطراف عدة شراء المواقف أو كسب النفوذ دون جدوى.

القاهرة.. مركز الحلول والوساطات

شهد العالم كيف تمكنت مصر من إدارة جولات التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتقديم مبادرات أثمرت عن تفاهمات ملموسة.
ويُستدل على ذلك من تصريحات رجل الأعمال الأمريكي ستيف ويتكوف، الذي قال عقب لقائه الرئيس عبد الفتاح السيسي والمستشار حسن رشاد:

“لولاكما، لما تمكنا من الوصول إلى هذه التفاهمات التاريخية.”

هل تنتهي حروب المنطقة بعد غزة؟

يتساءل المراقبون اليوم: هل كانت الحرب الأخيرة في قطاع غزة – التي استمرت لعامين – آخر الحروب في المنطقة؟
أم أن ما يحدث مجرد هدوء مؤقت يخفي ناراً تحت الرماد؟

يطرح هذا السؤال بقوة، خاصة بعد اصطحاب ترامب في القمة لأحد القادة العسكريين الأمريكيين الذين نفذوا عملية “المطرقة الحديدية”، وهي الضربة التي وجهتها واشنطن لإيران. وقد أثنى ترامب على الرجل، مشيراً إلى قدراته العسكرية العالية، ومشيراً – ضمنياً – إلى إمكانية الضغط مجدداً على طهران، رغم حديثه عن “رغبته في السلام”.

الولايات المتحدة.. تراجع القدرة على حسم الحروب

يرى الخبراء أن الولايات المتحدة لم تعد تملك القدرة على حسم الحروب كما في السابق.
فبعد تسع سنوات من حرب العراق (2003–2012) وعشرين عاماً من حرب أفغانستان (2003–2023)، خرجت واشنطن دون نصر حاسم، بل بخسائر ضخمة وسمعة متراجعة.

ويشير الجنرال ماكغريغور إلى أن عدد قوات الجيش الأمريكي اليوم لا يتجاوز 475 ألف مقاتل، ثلثاهم منتشرون في البلقان، بينما لم تستطع واشنطن حشد 80 ألف جندي لإجلاء رعاياها من السودان عند اندلاع الأزمة هناك.

تراجع في البنية العسكرية الأمريكية

حتى القاذفات العملاقة من طراز B-52 التي ألقت “أم القنابل” في أكثر من عملية لم تحقق النتائج المرجوة.
فالحروب لا تُحسم من السماء، كما لم تعد الولايات المتحدة تمتلك جيش المليونين ونصف المليون الذي دخل به الشرق الأوسط في التسعينات والألفينات.

كما تعاني المؤسسة العسكرية الأمريكية من موجة استقالات واسعة بين صفوف ضباطها، وهو ما دفع ترامب إلى عقد اجتماع غير مسبوق مع 800 جنرال لمناقشة مستقبل الجيش، في سابقة لم تحدث منذ عقود.

د. ماك شرقاوي الكاتب الصحفي
والمحلل السياسي المتخصص في الشأن الأميركي

رابط الحلقة :

YouTube player
YouTube player