وسط تسريبات إعلامية متكررة عن مقترحات أمريكية بشأن مستقبل غزة في أعقاب الحرب، يثار الجدل مجددًا حول أهداف هذه التصورات، وما إذا كانت تخدم أجندة ميدانية آنية، أم تصب في إطار أوسع ضمن مشروع إقليمي مرتبط بخطة ترامب القديمة، وتحديدًا ما يُعرف بـ”مشروع ريفيرا غزة”.
تسريبات مدروسة واختبار للمواقف
تشير المعطيات إلى أن المقترحات الأخيرة المنسوبة لإدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والتي طُرحت في الأيام الأخيرة من زيارته إلى منطقة الخليج، لم تتضمن بشكل مباشر الحديث عن خطة تهجير للفلسطينيين. لكن التلميح إلى “توفير مكان آمن للعيش” للفلسطينيين في سياق التهدئة، يُقرأ على أنه مؤشر غير مباشر نحو إعادة طرح سيناريوهات قديمة تشمل التهجير المؤقت أو إعادة التوطين.
ويُرجّح مراقبون أن هذه التسريبات تأتي في إطار اختبار سياسي متكرر تمارسه واشنطن – أو أوساط قريبة منها – لجس نبض الأطراف الفاعلة، خاصة مع ما يُنقل عن دعم أمريكي لمواقف إسرائيل، وتحديدًا ما يطالب به رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشأن “إفراغ غزة من سكانها” كمدخل لحسم عسكري شامل ضد حركة حماس.
بين تصريحات السيسي ومشروع “ريفيرا غزة”
في هذا السياق، تعود للواجهة تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه المستشار الألماني أولاف شولتس في أكتوبر 2023، حيث طرح تساؤلًا حول إمكانية إنشاء مدن مؤقتة للفلسطينيين في صحراء النقب كحل إنساني مؤقت، في حال استمرت العملية العسكرية. هذا الطرح فُهم حينها بأنه رفض ضمني لفكرة استغلال سيناء كمخرج جغرافي لمأساة غزة.
كما تُربط هذه التحركات بما بات يُعرف بـ”مشروع ريفيرا غزة”، وهو مخطط اقتصادي طرحته إدارة ترامب سابقًا ضمن “صفقة القرن”، يهدف إلى تحويل ساحل غزة إلى منطقة تنموية، لكنه يثير مخاوف من تسويات اقتصادية على حساب الحقوق السياسية والتاريخية للشعب الفلسطيني.
الموقف الدولي والعربي: رفض وتصعيد قانوني
في المقابل، قوبلت هذه الأفكار برفض فلسطيني وعربي واسع، وبتنديد دولي من منظمات حقوقية مثل “هيومن رايتس ووتش”، والتي اعتبرت هذه السيناريوهات بمثابة تهجير قسري يرقى إلى جريمة حرب بموجب اتفاقية جنيف الرابعة. كما دعت الأمم المتحدة إلى احترام القوانين الدولية وعدم المساس بالحقوق السيادية للشعب الفلسطيني.
وتُظهر التحركات الأمريكية – حتى الآن – تناقضًا في الطرح؛ إذ يُعرف عن الرئيس ترامب تبدّله السريع في المواقف، حيث قد يعلن مقترحًا ثم يتراجع عنه بعد ساعات. ورغم ذلك، فإن الخطوط العريضة للسياسات الأمريكية تواصل الميل نحو تغليب الأمن الإسرائيلي ومشاريع التسوية الإقليمية، حتى لو كان ذلك على حساب معاناة المدنيين الفلسطينيين.
سيناء وليبيا… خطوط حمراء
ختامًا، من الواضح أن مصر ترفض بشكل قاطع الزج بسيناء في أي ترتيبات تتعلق بحل القضية الفلسطينية على حساب أراضيها. كما تعتبر أي استغلال للوضع الليبي جزءًا من تهديد الأمن القومي المصري. هذه المواقف تأتي في وقت تبقى فيه الصورة ضبابية، في ظل تسريبات متضاربة، وغياب موقف أمريكي رسمي معلن يوضح النية الحقيقية خلف هذه المقترحات.
د. ماك شرقاوي الكاتب الصحفي
والمحلل السياسي المتخصص في الشأن الأميركي
