زهرة حسن تكتب: شيفرة الخوف
لماذا نخاف؟ مم نخاف؟ وكيف نشأ الشعور بالخوف؟
المفتاح الحقيقي للإنسان هو الخوف لذلك يفضل العيش في مجتمعات ويسعى للتكيف معها ولهذا غالباً ما تكون الوحدة ضريبة للاختلاف والتفرد. غالباً ما يكون الخوف أمراً سلبياً في حياتنا إذ يعقينا من الوصول إلى ما نريد الوصول إليه لأنه يهز ثقتنا بالقدرة على الوصل. لكنه يكون ضرورياً في بعض الأحيان إذ يشكل حافزاً للتطور والوصول فهناك بعض الأشياء التي تستدعي الخوف كالخوف من البقاء بلا عمل مثلاً فيدفعنا ذلك إلى استخراج إبداعنا لإثبات وجودنا في مجال عمل نحبه.
ولكن إذا نظرنا إلى المجتمع نجده قائماً بجانب كبير على الخوف فالجميع في منافسة واقتتال للبقاء بشكل أو بآخر وهذا ما يجعل كلا منا منجراً وراء خوفه وهنا يكون الخوف هو ما يجمع مجموعة ما من الناس مع بعضهم البعض، لخوفهم من مجموعات أخرى لها انتماءات مختلفة تخاف لنفس الأسباب من باقي المجموعات.
نخاف منذ الصغر على كل ما حولنا، من كل ما حولنا يمشي بنا الخوف ونمشي به ويأخذ دوره في حياتنا ووجودنا، نخاف الأصوات الغريبة، نخاف الضوء الزائد أو المنخفض، نخاف ظلنا، نخاف اللغات الأخرى، نخاف من السماء ومن الأفكار، خاصة من الأفكار، وننسى أن نعيش ونتعايش وأن الشيء الوحيد الأجدر أن نخاف منه هو الخوف ذاته الذي يمنعنا من الوصول إلى مدانا، لأن الخوف هو منبع أخلاق العبيد، أخلاق النفاق والمسكنة والحقد والكراهية والغدر والشماتة ولذا نسعى للاندماج في الجماعة خوفاً من وحشة الوجود العابر ولهذا يصير الفرد غالباً جزءاً من القطيع لا يفكر ولا يقرر بل يقلد لا غير وهذا هو دور الخوف في نشر ايديولوجيات معينة توهم الناس أنها لصالحهم وفي الواقع هي تسعى لاستغلالهم لمصالحها مستخدمةً حاجاتهم ودوافعهم بمصالحهم فيظنون أنهم أصحاب إرادة حرة لكنهم في الواقع عبيد للتقليد وللنموذج وللمجموعة المسيرة بشكل أعمى.
يعتبر الخوف رذيلة من وجهة نظر الفلسفة العامة، بل لعله أم الرذائل، وجميع الفلاسفة من أمثال سقراط وأبيقور وأرسطو شنوا حرباً على الخوف كعدو استراتيجي، فاتفقوا أن الواجب الأول للفلسفة هو تخليص الإنسان من مشاعر الخوف لأن ذلك التحرير سيكون المنطلق الأساسي لتحرير العقل من الخرافة والعبودية والاتكال والجهل. فسقراط يعتبر الخوف أكذوبة يتوهم الجبناء حقيقتها عند اللزوم، والخوف يجعل الناس أكثر حذراً وأكثر طاعة وأكثر عبودية. أما أبيقور فقد حاول التقليل من وطأة الخوف الأساسي في حياة البشر وهو الخوف من الموت بقوله ” إن الموت لا يعنينا فحين نحيا لا وجود للموت وحين يحضر الموت فلا وجود لنا.” فهو يدعونا ألا نخاف من الموت لأن خوفنا من الموت هو الخوف بعينه. أما أرسطو فيرى أن الخوف هو الألم الناتج عن توقع الشر وأن الذي يتمكن من التغلب على خوفه يتحرر فعلاً.
لربما تكون الطريقة المثلى للتحرر من الخوف هي مواجهته بكل ما فيه حتى تسقط مهابته في نفوسنا ويسقط وهمه، لربما وضع الله أجمل تجارب الحياة على ضفة الخوف الأخرى، فلنعبر.