سمر سيد تكتب : قناة السويس.. من ممر مائي إلى قاطرة اقتصاد مصر وصناعاتها الجديدة
شهدت قناة السويس خلال السنوات الأخيرة تحولاً جذرياً جعلها ليست مجرد ممر ملاحي عالمي، بل محوراً اقتصادياً وصناعياً ولوجستياً يربط الشرق بالغرب ويمنح مصر موقعاً متقدماً على خريطة التجارة العالمية. فمنذ افتتاح قناة السويس الجديدة في 2015، وضعت الدولة خطة شاملة لتنمية المنطقة الاقتصادية المحيطة بها، لتصبح مركزاً متكاملاً يضم موانئ حديثة، مناطق صناعية، ومشروعات زراعية تسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي وزيادة الصادرات.
ففى خلال الأعوام الأخيرة حققت القناة عوائد غير مسبوقة ، حيث سجلت في عام 2021 نحو 6.3 مليار دولار، ارتفعت في 2022 إلى 7.9 مليار دولار، ثم قفزت في 2023 إلى 9.4 مليار دولار، وهو أعلى رقم في تاريخها منذ افتتاحها عام 1869. وقد بلغت الإيرادات الشهرية ذروتها في مايو 2023 عندما سجلت نحو 948 مليون دولار، مما عكس أهمية القناة كأحد أهم شرايين التجارة الدولية.
اما بالنسبة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس فلقد استقطبت استثمارات صناعية كبرى من شركات عالمية، حيث جرى إنشاء مجمعات صناعية في مجالات تجميع السيارات، الصناعات الدوائية، الصناعات الغذائية، البتروكيماويات، والتعبئة والتغليف. كما استثمرت شركات دولية مثل مرسيدس، أجيليتي الكويتية، وموانئ دبي العالمية في البنية التحتية والخدمات اللوجستية، مما أسهم في وضع المنطقة على خريطة الاستثمار العالمي.
و على صعيد تطوير الموانىء حظي ميناء شرق بورسعيد بتطوير شامل، شمل إنشاء أرصفة جديدة بأعماق تصل إلى 18 متراً ومجمع صناعي على مساحة تتجاوز 60 كم²، ليصبح من بين أفضل 10 موانئ حاويات في العالم. أما ميناء العين السخنة، فقد تم تطويره ليصبح أكبر ميناء على البحر الأحمر، متصلاً بالقطار الكهربائي السريع ومجهزاً لخدمة التجارة بين آسيا وأوروبا، بجانب مناطق لوجستية حديثة قادرة على منافسة الموانئ العالمية.
ولم يقتصر المشروع على الصناعة والموانئ، بل امتد ليشمل تنمية زراعية ضمن مشروع استصلاح 1.5 مليون فدان، حيث جرى تخصيص مساحات حول محور القناة لزراعة محاصيل استراتيجية مثل القمح والذرة الصفراء وبنجر السكر. هذه الخطوة تستهدف تقليل فاتورة الاستيراد وتعزيز الأمن الغذائي لمصر.
لقد جذبت المشروعات المقامة بالمنطقة الاقتصادية استثمارات تجاوزت 15 مليار دولار حتى الآن، وأسهمت في توفير ما يقارب 25 ألف فرصة عمل مباشرة، فضلاً عن مئات الآلاف من الوظائف غير المباشرة في النقل، الخدمات، واللوجستيات. هذا التنوع الصناعي والاقتصادي قلل من اعتماد مصر على إيرادات رسوم عبور السفن وحدها، وفتح الباب أمام اقتصاد متكامل قادر على الصمود أمام الأزمات.
الا انه على الرغم من هذه النجاحات، لم تسلم القناة من التأثر بالتطورات الجيوسياسية. حرب أوكرانيا تسببت في إعادة تشكيل مسارات شحن الحبوب والطاقة، ما زاد أحياناً من عبور السفن عبر القناة لكنه أثر على حجم التجارة العالمية بشكل عام. أما التوترات في البحر الأحمر خلال عامي 2024 و2025، فقد أدت إلى تراجع حركة السفن بنسبة قاربت 30% مؤقتاً بعد أن اضطرت شركات ملاحية كبرى إلى تحويل مساراتها نحو رأس الرجاء الصالح. حيث انعكس ذلك على العوائد التي انخفضت في 2024 إلى نحو 4 مليارات دولار فقط مقارنة بـ 10.3 مليار دولار في العام السابق.
و رغم هذه التحديات، تبقى قناة السويس الجديدة ومحور التنمية مشروعاً استراتيجياً يرسخ مكانة مصر كمركز عالمي للتجارة والصناعة والطاقة النظيفة. فالقناة اليوم ليست مجرد ممر بحري، بل مشروع دولة يسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني،ودعم الشباب بفرص عمل، كذلك تثبيت موقع مصر كحلقة وصل أساسية بين قارات العالم..
