سوريا: هل يزيح قرار الشرع شبح المواجهة الطائفية في السويداء والحرب مع إسرائيل؟
بدت السويداء ذات الأغلبية الدرزية جنوب سوريا الخميس، والتي شهدت على مدار يومين اشتباكات دامية تخللها انتهاكات وعمليات نهب، أشبه بالمدينة المنكوبة بعد قرار الرئيس أحمد الشرع سحب قواته منها “تجنبا لحرب واسعة”. واعتبر المحلل السياسي الأردني حسن جابر هذه الخطوة غير كافية، خصوصا بسبب مواقف أطراف درزية لا تعترف بالاتفاق مع الحكومة، مؤكدا على ضرورة انضواء كافة مكونات الشعب السوري تحت لواء الدولة ومؤسساتها.
سحبت دمشق قواتها من محافظة السويداء بجنوب البلاد، حسب ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان ليل الأربعاء الخميس. يأتي ذلك بعد أن كلّف الرئيس السوري أحمد الشرع فصائل درزية مسؤولية الأمن في هذه المدينة وندد بالتدخل الإسرائيلي.
وفي كلمة متلفزة بثها الإعلام الرسمي فجرا، أعلن أحمد الشرع عن “تكليف بعض الفصائل المحلية ومشايخ العقل بمسؤولية حفظ الأمن في السويداء”، في خطوة قال إن هدفها “تجنب انزلاق البلاد إلى حرب واسعة جديدة”.
في هذا السياق، قال مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن إن “السلطات سحبت قواتها العسكرية من مدينة السويداء وكافة أنحاء المحافظة، مقابل انتشار للمقاتلين المحليين الدروز”.
حكمت الهجري يدعو إلى “استمرار القتال”
وأعلنت وزارة الداخلية والشيخ يوسف الجربوع، أحد أبرز ثلاث مرجعيات روحية في السويداء، مساء الأربعاء التوصل لاتفاق يقضي بوقف إطلاق النار، وإيقاف كل العمليات العسكرية فورا وتشكيل لجنة مراقبة مشكلة من ممثلي السلطات وكذا شيوخ دروز للإشراف و التنفيذ.
لكن الشيخ الدرزي البارز حكمت الهجري أعلن في بيان عن “ضرورة الاستمرار في الدفاع المشروع واستمرار القتال”.
ولا ينضوي الدورز الذين نأوا بأنفسهم إجمالا عن النزاع السوري منذ اندلاعه عام 2011، تحت مرجعية موحدة.
كما أوضح رامي عبد الرحمن لوكالة الأنباء الفرنية بأن انسحاب قوات دمشق “جاء بناء على اتفاق أمني إسرائيلي سوري بوساطة أمريكية.
“حرب مفتوحة مع إسرائيل”
وأشاد الشرع في كلمته بـ”التدخل الفعّال للوساطة الأمريكية والعربية والتركية التي أنقذت المنطقة من مصير مجهول”، متهما “الكيان الإسرائيلي” بأنه “يسعى مجددا إلى تحويل أرضنا الطاهرة إلى ساحة فوضى غير منتهية، يسعى من خلالها إلى تفكيك وحدة شعبنا وإضعاف قدراتنا على المضي قدما في مسيرة إعادة البناء والنهوض”.
وأضاف الرئيس السوري: “كنا بين خيارين، الحرب المفتوحة مع الكيان الإسرائيلي على حساب أهلنا الدروز وأمنهم، وزعزعة استقرار سوريا والمنطقة بأسرها، وبين فسح المجال لوجهاء ومشايخ الدروز للعودة إلى رشدهم، وتغليب المصلحة الوطنية”.
اقرأ أيضاسوريا تعلن التوصل لوقف إطلاق نار جديد في السويداء ونشر حواجز أمنية في المدينة
وعقب مواجهات دامية تخللها انتهاكات وعمليات نهب طالت منازل ومتاجر، بدت المدينة (الخميس) منكوبة حسب شبكة السويداء24، مع خروج المشفى الرئيسي من الخدمة وتكدّس الجثث فيه وانقطاع خدمات المياه والكهرباء والاتصالات منذ أيام.
واستفاق السكان على صدمة مع معاينتهم جثثا في الشوارع وسيارات متضررة ومتاجر منهوبة. واتهم سكان وفصائل درزية، إضافة إلى المرصد قوات دمشق بتنفيذ إعدامات وانتهاكات خلال أعمال العنف التي سقط فيها ما لا يقل عن 500 قتيل، وفق حصيلة جديدة أوردها المرصد الخميس، بعيد انسحاب القوات الحكومية من المنطقة.
وأحصى نفس المصدر في عداد القتلى 79 مسلحا درزيا و154 مدنيا من السويداء، ضمنهم 83 شخصا “أعدموا ميدانيا برصاص عناصر من وزارتي الدفاع والداخلية” خلال الاشتباكات، التي أودت كذلك بـ243 عنصرا من القوات الحكومية و18 مسلحا بدويا، إضافة إلى ثلاثة من أبناء عشائر البدو “أعدموا ميدانيا على يد مسلحين دروز”. كما قتل 15 عنصرا من القوات الحكومية جراء الغارات الإسرائيلية.
اقرأ أيضاردود فعل دولية تدعو إسرائيل لوقف الضربات وسوريا تطالب مجلس الأمن ببحث عواقب “العدوان”
لكن قرار الشرع سحب قواته من المحافظة ذات الغالبية الدرزية، يقوّض جهود الحكومة الانتقالية في بسط سلطتها على كامل التراب السوري بعد أكثر من سبعة أشهر على إطاحتها الحكم السابق. كما تطرح مجددا تساؤلات إزاء قدرتها على التعامل مع الأقليات على وقع أعمال عنف على خلفية طائفية طالت مكونات عدة في البلاد.
لتسليط الضوء أكثر على هذه الأزمة وتداعياتها ومآلاتها وعلى قرار الشرع، حاورنا حسن جابر باحث في معهد السياسة والمجتمع في عمان، متخصص في العلاقات الدولية وسياسات الشرق الأوسط، والشأن السوري.
فرانس24: هل يضع انسحاب القوات الحكومية من السويداء حدا للأزمة؟
حسن جابر: جاء قرار الرئيس السوري أحمد الشرع فجر الخميس بسحب الجيش من السويداء تنفيذا للاتفاق مع المشيخات الدرزية، وهو يأتي تحديدا في سياق حدث مفتاحي بعد إعلان الشيخ يوسف الجربوع عن التوصل إلى اتفاق مع الحكومة. وبالتالي، نعم، فإن سحب الجيش، مع التفريق هنا بين الجيش وقوى الأمن، سيخفض التصعيد بلا شك، أقله في هذه الجولة الأخيرة.
لكن هذا الاتفاق لم يعالج جذور المشكلة والخلاف. نتحدث هنا عن طرف رئيسي في السويداء هو المرجعية الدينية للشيخ حكمت الهجري، الذي يرفض الاتفاق أو حتى الاعتراف بالحكومة السورية وهذا ليس أمرا جديدا، حيث إن هذا الطرف لم يبذل منذ الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024 [أي منذ سقوط بشار الأسد] جهودا كافية مقارنة بأقرانه وهما الشيخ حمود الحناوي والشيخ يوسف الجربوع. ومن ثمة، لم تتم معالجة هذه الأزمة بالكامل.
ثم إن حكمت الهجري أنكر الاتفاق وقال إنه كان تحت الضغط وما إلى ذلك، وهو ما يمكن فهمه على أن انسحاب [الجيش السوري] كان بقرار من طرف واحد، رغم أن الاتفاق كان في الواقع بين الحكومة السورية والمشيخات الروحية الثلاث ووجهاء المحافظة بالإضافة إلى القوى الاجتماعية. ومن ثمة، فإن انسحاب [حكمت الهجري] من الاتفاق وطلبه الحماية الدولية يعكس عدم وضوح في رؤيته. على أية حال، فإن المسؤولية اليوم هي مشتركة، خصوصا مع تغليب الرئيس أحمد الشرع والحكومة السورية منطق الدولة والحكمة والتروي بقرار الانسحاب حقنا لدماء السوريين ورفضا للتدخل الإسرائيلي.
ما هو مصير الدروز في سوريا وهل تأخر قرار الشرع؟
الدروز مكون محترم، ويمكننا العودة إلى الاتفاقات السابقة لفهم أن الحكومة السورية تدرك وتحترم هذا المكون، وبأنه ليس لها مشكلة مع الدروز، بل إن الإشكالية الرئيسية هي في الأطراف الرافضة لتسليم السلاح والانصهار ضمن المؤسسة الأمنية في ظل احترام لخصوصية هذه المحافظة.
رأينا بأن اتفاق آذار/مارس نصّ على أن تتم مباشرة مهام الأمن في السويداء بعناصر من داخلها بمعنى أن أبناء المحافظة والقوى الاجتماعية والأهلية ستتولى الأمن تحت مظلة وزارة الدفاع السورية.
إذا، ففي الواقع، كان هناك وضع خاص وتفضيلي يراعي حساسية الدروز وهو ما يقودنا للاستنتاج بأن الحكومة السورية تدرك وتحترم حساسية المكون الدرزي ولا تحاول إقصاءه. وبالتالي، أنا أتعارض مع صياغة السؤال لأن المشكلة ليست طائفية ضد مكون عرقي أو ديني أو مذهبي أو طائفي، وإنما هي في مسألتي رفض تسليم للسلاح والانصهار داخل الدولة، أو البقاء بعيدا عنها وبشكل منفصل ما يفاقم من صعوبة الوضع.
ظهر جليا فجر الخميس، من خلال ضبط النفس الذي أظهر الرئيس أحمد الشرع، والذي يبديه منذ الثامن من ديسمبر/كانون الأول، باستطلاع الفجوات الميدانية التي ظهرت في الساحل ومن ثمة تكررت. كما لا ننسى أن الحكومة قد تعهدت باتخاذ الإجراءات اللازمة للتصدي للعناصر الأمنية غير المنضبطة.
لا أعتقد بوجود دوافع انتقامية في السويداء بل على العكس فقد نص اتفاق آذار/مارس على احترام خصوصية هذا المكون واحترام خصوصية الأمن في المدينة ضمن وزارة الدفاع مع احترام مؤسسات الدولة، لكن دون القبول بوجود الثنائيات، بمعنى جيش حكومي وآخر غير حكومي لأن ذلك من شأنه أن يقوض جهود بناء الدولة.
هل تجنبت سوريا حربا مفتوحة مع إسرائيل؟
بطبيعة الحال. فعندما غلّبت لغة العقل والحوار، قامت الحكومة السورية بما يلزم لحفظ وحدة وحدود وأراضي البلاد وحقن دماء السوريين، لأن العدوان الإسرائيلي الغاشم سواء على محافظة السويداء أو حتى على العاصمة دمشق، لم يكن يفرق بين درزي مدني أو درزي مسلح أو مسلح تابع للحكومة السورية أو مدني، وكان يبطش بالجميع وهو ما رفع أصلا من حصيلة القتلى والضحايا المدنيين من كل الأطراف السورية.
لقد دلّ كلام الرئيس أحمد الشرع فجر الخميس بوضوح على رفض تحويل سوريا إلى ساحة حرب وهو ما يفهم منه أن تجنب للمواجهة مع إسرائيل، لاعتبارات عدة خصوصا وأن أولويته وأولوية الحكومة السورية هي للداخل وإعادة بناء الدولة والخروج من مرحلة الصراع.
إسرائيل، وخلافا لما يحدث في قطاع غزة، أمامها قيود عملياتية كبيرة في أي مواجهة مع سوريا، لأن الأخيرة هي دولة كبيرة جغرافيا ومفتوحة الحدود، باستثناء إمكانية تنفيذ القصف الجوي وإدامة الانتشار في الأجواء المفتوحة لسوريا، في حال تصورنا حدوث عملية عسكرية موسعة.
في حال اتجهت الحكومة السورية إلى خيار الاشتباك المفتوح والمعلن مع إسرائيل، فهو قرار قد يكون بالغ الصعوبة ودفعا إلى الهاوية، رغم أنها تملك القدرات اللازمة، لأن نواة الجيش الحالي هي ما كانت تعرف سابقا بـ”هيئة تحرير الشام” وهي متمرسة على حرب العصابات ما أكسبها خبرة قتالية تحت قصف الطيران. وبالتالي فإن الخيارات موجودة لكن ضبط النفس هو الذي يقدم اليوم.
نحن لا نتحدث عن حالة عجز هنا، لا ننسى أن في سوريا قدرة على التجييش ضد إسرائيل قد تخفي كل المشاكل الداخلية إذا ما اتجهت الحكومة إلى إشعال هذه الجبهة. في المقابل، تتجنب سوريا الرد على الاستفزازات الإسرائيلية وهي تعول على القنوات الأمنية لتقديم الضمانات من كل طرف إلى الآخر.
