شحاتة زكريا يكتب:التحديات الإقليمية والموقف المصري الثابت في ظل التصعيد العسكري

9

تمر منطقة الشرق الأوسط بلحظات حرجة وحساسة للغاية حيث تتصاعد وتيرة التوترات العسكرية والسياسية بوتيرة متسارعة منذ منتصف الشهر الجاري مما يضع المنطقة بأكملها على شفا حرب إقليمية واسعة النطاق قد تؤدي إلى كارثة إنسانية واقتصادية لا تُحمد عقباها. هذا التصعيد الخطير الذي نشهده اليوم لم يأت من فراغ بل هو نتيجة طبيعية لسياسات العنف والقوة المفرطة التي تتبعها بعض القوى الإقليمية في تعاملها مع النزاعات والخلافات السياسية.

لقد تنبأت مصر بهذه التطورات الكارثية منذ وقت مبكر وحذرت في مناسبات عديدة ومن خلال قنوات دبلوماسية متنوعة من خطورة الاعتماد على الحلول العسكرية في معالجة الأزمات الإقليمية المعقدة. الدبلوماسية المصرية التي تتسم بالحكمة والبعد الاستراتيجي ظلت تؤكد باستمرار على أن الحروب والنزاعات المسلحة لا تنتج سوى المزيد من الدمار والخراب ولا تحقق الأمن والاستقرار المنشود لأي طرف من الأطراف المتنازعة بل على العكس تماما تزيد من تعقيد المشهد السياسي وتفتح المجال أمام تدخلات خارجية غير مرغوب فيها.

إن الرؤية المصرية الثاقبة والمسؤولة تقوم على أسس راسخة من احترام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وتؤمن إيمانا راسخا بأن الحوار والتفاوض والدبلوماسية هي الطريق الوحيد الآمن لحل النزاعات وتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة. هذا الموقف المبدئي الثابت ليس مجرد موقف سياسي عابر بل هو استراتيجية طويلة المدى تهدف إلى بناء منطقة مستقرة وآمنة تتمتع فيها جميع الشعوب بالأمن والازدهار والتقدم.

لكن للأسف الشديد لم تحظ هذه الرؤية الحكيمة بالاهتمام والاستجابة المطلوبة من قبل المجتمع الدولي والقوى العظمى التي فضلت في كثير من الأحيان اتباع سياسة الكيل بمكيالين والازدواجية في التعامل مع قضايا المنطقة مما ساهم في تفاقم الأوضاع وزيادة حدة التوترات إلى الدرجة التي نشهدها اليوم.

إن التصعيد العسكري الحالي يحمل في طياته مخاطر جسيمة لا تقتصر على الأطراف المتنازعة مباشرة بل تمتد آثارها الكارثية لتشمل المنطقة بأسرها، وقد تتجاوز حدودها الجغرافية لتؤثر على الاقتصاد العالمي وأسواق الطاقة والتجارة الدولية. فالمنطقة تضم أهم الممرات المائية الاستراتيجية في العالم كما تحتوي على احتياطيات هائلة من الموارد الطبيعية وأي اضطراب في هذه المنطقة الحيوية سينعكس حتما على الاستقرار الاقتصادي العالمي.

من هنا تأتي أهمية المبادرة الدبلوماسية العربية والإسلامية المشتركة التي قادتها مصر مؤخرا والتي تمثلت في إصدار بيان موحد وقعت عليه إحدى وعشرون دولة عربية وإسلامية يدين بوضوح وحزم التصعيد العسكري الراهن ويدعو إلى وقف فوري للأعمال العدائية والعودة إلى طاولة التفاوض. هذا البيان المهم لا يمثل فقط موقفا سياسيا موحدا بل يعكس أيضا رؤية استراتيجية مشتركة لمستقبل المنطقة تقوم على أسس العدالة والسلام والتعايش السلمي.

إن الخروج من هذه الأزمة المعقدة يتطلب تضافر الجهود الإقليمية والدولية وتبني نهج شامل ومتوازن يعالج الأسباب الجذرية للصراع وليس مجرد أعراضه الظاهرة. هذا النهج يجب أن يشمل إعادة إحياء عملية السلام في المنطقة، وتحقيق العدالة للشعوب المظلومة ، وضمان احترام سيادة جميع الدول ووحدة أراضيها بالإضافة إلى تعزيز آليات التعاون الاقتصادي والثقافي بين دول المنطقة.

في ظل هذه التحديات الجسيمة والتطورات المتسارعة تبرز أهمية قصوى للتماسك الداخلي والوحدة الوطنية كخط دفاع أول في مواجهة المخاطر الخارجية. إن الاصطفاف حول المؤسسات الوطنية والقيادة السياسية الحكيمة يمثل ضرورة استراتيجية لحماية الأمن القومي والحفاظ على مكتسبات الشعب واستقرار الوطن. هذا التماسك لا يأتي من فراغ بل يحتاج إلى جهود مستمرة من جميع فئات المجتمع ومؤسساته المختلفة لترسيخ قيم الانتماء والولاء الوطني ومواجهة محاولات الفتنة وزعزعة الاستقرار.