شحاتة زكريا : أوراسيا .. قلب العالم وصراع القوى العظمى
تعد أوراسيا الكتلة الجغرافية الأكبر على كوكب الأرض حيث تجمع بين أوروبا وآسيا ، مما يجعلها مركزا جيوسياسيا فريدا يشهد تفاعلات وتحولات عميقة على مر التاريخ. هذه المنطقة ليست مجرد مساحات جغرافية ، بل هي محور للصراعات الدولية والمنافسات الاقتصادية التي تعيد تشكيل ميزان القوى العالمي.
على مدار العقود الماضية أدركت القوى العظمى الأهمية الاستراتيجية لأوراسيا ، بدءا من نظريات “هالفورد ماكيندر”، الذي أطلق عليها لقب “قلب العالم”، وصولا إلى السياسات الحديثة التي تسعى للسيطرة على ممراتها التجارية وثرواتها الطبيعية الهائلة .. فمن يسيطر على أوراسيا يمتلك مفتاح الهيمنة على العالم بأسره.
في الشرق تعمل الصين على تعزيز نفوذها عبر مبادرة الحزام والطريق التي تهدف إلى إنشاء شبكة تجارية عالمية تربط آسيا بأوروبا وأفريقيا. هذه المبادرة ليست مجرد مشروع اقتصادي بل هي استراتيجية شاملة لتعزيز حضور الصين في أوراسيا ما يثير قلق واشنطن وحلفائها.
أما روسيا فهي ترى في أوراسيا عمقها الاستراتيجي ووسيلة لتعزيز نفوذها التاريخي ، خاصة في آسيا الوسطى التي تزخر بالموارد الطبيعية. تحاول موسكو الحفاظ على دورها كمحور قوة في المنطقة ، في مواجهة الضغوط الغربية والمبادرات الصينية المتنامية.
على الطرف الغربي من أوراسيا تبدو أوروبا في موقع حساس إذ تعتمد على الغاز الروسي ، بينما تواجه تحديات متزايدة من التغيرات الجيوسياسية. تحاول أوروبا موازنة علاقاتها مع واشنطن وموسكو وسط مخاوف من تراجع نفوذها في ظل الصعود الآسيوي.
إن أوراسيا اليوم ليست فقط مسرحا للصراعات ، بل منصة لتشكيل النظام العالمي الجديد. ومع تصاعد الأزمات العالمية مثل تغير المناخ والتحولات الاقتصادية ، ستبقى أوراسيا في قلب اللعبة الجيوسياسية حيث يتحدد مستقبل النفوذ العالمي. السيطرة عليها ليست خيارا ، بل ضرورة للقوى التي تسعى لرسم ملامح القرن الحادي والعشرين.