شحاتة زكريا : العدالة الدولية في مواجهة إسرائيل .. هل بدأ العالم تغيير قواعد اللعبة؟
تبدو إسرائيل اليوم في مواجهة غير مسبوقة مع منظومة العدالة الدولية ، بعدما دخلت المحكمة الجنائية الدولية على خط الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي لتضع القادة الإسرائيليين أمام مرآة المحاسبة الأخلاقية والقانونية. هذه الخطوة تمثل تحولا لافتا في السردية العالمية التي طالما تغاضت عن الجرائم والانتهاكات تحت مظلة المصالح السياسية.
قرار المحكمة الجنائية لا يعني بالضرورة ملاحقة القادة الإسرائيليين في القريب العاجل ، لكنه يحمل دلالات رمزية بالغة الأهمية. إنه إعلان صريح بأن جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان لا تسقط بالتقادم وأن العالم بدأ يدرك أن حماية العدالة الدولية ليست خيارا بل ضرورة. من هنا تبرز أهمية تصريح البابا الأخير الذي كشف زيف الدعاية الإسرائيلية عن احترامها للأديان والحقوق الدينية ، وربط الصراع بمعايير أخلاقية تعري الاحتلال أمام الرأي العام العالمي.
إسرائيل التي لطالما نجحت في حشد الدعم الغربي لمواقفها تجد نفسها اليوم في عزلة دولية متزايدة. داخليا ، تواجه أزمة سياسية خانقة تُهدد استقرارها ، حيث تتحد المعارضة والسلطة الحاكمة بشكل نادر لمواجهة أي تهديدات قانونية قد تمس بنيان النظام السياسي الإسرائيلي. هذا التوحد ليس دفاعا عن شخص رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ، بقدر ما هو محاولة لحماية شرعية المشروع الصهيوني بأكمله من الانكشاف والتفكيك.
لكن في العمق فإن التحدي الأكبر الذي تواجهه إسرائيل اليوم ليس في قاعات المحاكم بل في التحول التدريجي الذي يشهده الرأي العام العالمي. التحركات الرمزية مثل قرار المحكمة أو دعوات رجال الدين ، قد تبدو صغيرة لكنها تصنع فارقا كبيرا في إعادة تعريف طبيعة الصراع أمام المجتمعات الدولية. أصبح الحديث عن فلسطين أكثر ارتباطا بمفاهيم العدالة والإنسانية ، لا السياسة وحدها ، ما يفرض على الدول والمؤسسات مواجهة حقائق طالما تجاهلتها.
الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي لم يعد شأنا إقليميا فحسب بل اختبارا للنظام العالمي في مواجهة الجرائم بحق الإنسانية. في ظل هذا الواقع يبرز السؤال الجوهري: هل تستطيع القوى الكبرى الاستمرار في التستر على الجرائم ، أم أن التحولات الرمزية والقانونية ستقود إلى تغيير حقيقي في قواعد اللعبة؟
الجواب قد لا يكون قريبا ، لكنه حتما سيكون حاسما في إعادة صياغة ملامح العدالة الدولية، ووضع حدود جديدة لما يمكن أن يُسمح به تحت مظلة السياسة.