شحاتة زكريا: عندما يصبح العالم بلا أقنعة!
في عالم مثالي يرتدي الجميع وجوههم الحقيقية ..فلا تجد رياء سياسيا ولا خداعا اقتصاديا ولا أقنعةً إعلامية تُزَيّف الوعي الجمعي. لكن الواقع غير ذلك حيث تسود المصالح وتُدار العقول بحروب خفية وحين تظن أنك ترى المشهد كاملا فأنت في الحقيقة تشاهد مجرد ظلّ لحقيقة أكبر لا يدركها الجميع!
الأقنعة ليست مجرد قطع قماش تخفي الملامح بل هي سياسات واستراتيجيات ومواقف متغيرة ، تُستخدم في كل شيء في السياسة حيث تُدار الدول وفقا لمصالح ضيقة وفي الاقتصاد حيث تُباع الوهم للعامة باسم التنمية ، وفي الإعلام حيث يُعاد تشكيل وعي الشعوب بطريقة محسوبة.
تخيل لو استيقظ العالم ذات يوم دون أقنعة! لو أن كل رئيس دولة صرح بنيّته الحقيقية، وكل اقتصاد كشف أوراقه دون تجميل وكل إعلام عرض الواقع كما هو دون تزييف. هل كان العالم سيصبح أكثر أمانا؟ أم أن الفوضى كانت ستعم لأن الحقيقة قاسية ولا يستطيع الجميع تحملها؟
في السياسة يُقال إن هناك لغة خفية لا يفهمها سوى من يجلسون خلف الكواليس حيث يُبرَم الاتفاق في غرفة مغلقة ثم يُخرج إلى العلن في صورةٍ مغايرة تماما لما حدث. هذه الأقنعة هي التي جعلت قادة العالم يتحدثون عن السلام بينما يصنعون السلاح ويتشدقون بالديمقراطية بينما يسحقونها تحت أقدامهم.
أما في الاقتصاد فالواقع أكثر تعقيدا العالم يتحدث عن التنمية والاستدامة ، لكن خلف الستار هناك تحالفات تحتكر الثروة وأسواق تُدار بقرارات سياسية أكثر من كونها اقتصادية. تُرفع شعارات الإصلاح بينما يزداد الفقراء فقرا والأغنياء ثراء ويُباع للمواطن البسيط حلمٌ اقتصاديّ زائف لا يتحقق أبدا.
وفي الإعلام حيث يُفترض أن تكون الحقيقة ملكا للجميع، نجد أن الأقنعة هي القاعدة وليس الاستثناء. الأخبار تُصاغ بعناية والمعلومات تُنتقى بعناية أكبر فتتحول الحقيقة إلى وجهة نظر ويُعاد تشكيل الوقائع وفقًا للأجندات. الإعلامي الذي يُفترض به أن يكون صوت الحق قد يتحول إلى أداة في يد من يدفع أكثر فتختفي الحقيقة خلف ستار المصالح.
السؤال هنا: هل يمكن للعالم أن يستمر دون هذه الأقنعة؟ الحقيقة أن البشر بطبيعتهم يميلون إلى إخفاء ما لا يريدون كشفه سواء على المستوى الفردي أو الجماعي. السياسة تحتاج إلى المناورة والاقتصاد يحتاج إلى استراتيجيات غير مُعلنة، والإعلام لا يمكنه البقاء دون الانحياز لجهةٍ ما.
لكن هناك فرقا بين الدبلوماسية والخداع وبين التخطيط والمراوغة، وبين التوجيه والتضليل. المشكلة ليست في وجود الأقنعة، بل في كيفية استخدامها. عندما تُستخدم لحماية الأمن والاستقرار قد يكون ذلك مقبولا لكن عندما تصبح وسيلة لقهر الشعوب ونهب الثروات وتشويه العقول، هنا تكمن الكارثة.
العالم لن يكون بلا أقنعة في يومٍ من الأيا لكن الوعي بهذه الأقنعة هو الخطوة الأولى لفهم اللعبة. حين تدرك أن ما يُعرض عليك ليس الحقيقة الكاملة، وحين تتعلم كيف تقرأ ما بين السطور ستكون أقرب إلى إدراك الحقيقة من أولئك الذين يصدقون كل ما يُقال لهم دون تفكير.
ربما لا نستطيع نزع الأقنعة عن الجميع ، لكن على الأقل، يجب أن نتعلم كيف نراها بوضوح