شحاتة زكريا يكتب:لبنان بين تحديات الحاضر وآمال المستقبل
لبنان ذلك البلد الذي طالما عُرف بجمال طبيعته وتنوعه الثقافي يعيش اليوم على وقع أزمات خانقة تهدد استقراره ومستقبله. ومع ذلك شهدت البلاد أخيرا تطورا مهما بانتخاب قائد الجيش جوزاف عون رئيسا للجمهورية في جلسة انتخاب تاريخية عُلّقت عليها آمال كبيرة. هذا الحدث يمثل لحظة فاصلة قد تكون نقطة تحول نحو التعافي السياسي والاقتصادي ، أو محطة اختبار جديدة لقدرة اللبنانيين على مواجهة التحديات.
منذ مغادرة الرئيس السابق ميشال عون قصر بعبدا في أكتوبر 2022 ظل لبنان يعاني من فراغ سياسي زاد من تفاقم الأزمات الاقتصادية والمالية. خلال هذه الفترة الحرجة عاش الشعب اللبناني على حافة الانهيار وسط تضخم غير مسبوق وأزمة مصرفية خانقة أدت إلى تجميد أموال المودعين. ومع انتخاب الرئيس الجديد بدأ الأمل يلوح في الأفق ، حيث يترقب اللبنانيون خطوات حاسمة تعيد الاستقرار إلى بلادهم.
انتخاب جوزاف عون جاء نتيجة توافق داخلي ودعم خارجي ، ما يعكس تطلعات نحو حقبة جديدة تتسم بالاستقرار وإعادة بناء المؤسسات. إلا أن المهمة أمام الرئيس الجديد ليست سهلة. فالأزمات المتراكمة تشمل إعادة إعمار ما دمرته الحروب تنفيذ القرارات الأممية ، وبسط سيادة الدولة على كامل أراضيها ، فضلا عن معالجة الانقسامات السياسية العميقة التي تعيق التقدم.
على الصعيد الاقتصادي ، يُتوقع أن تكون معالجة الأزمة المالية التي بدأت منذ عام 2019 على رأس أولويات الرئيس جوزاف عون. فالنظام المصرفي اللبناني الذي كان رمزا للاستقرار الاقتصادي يعاني الآن من شلل كامل. المطلوب هو وضع خطة إصلاحية شاملة تُعيد الثقة بالقطاع المصرفي وتضمن حقوق المودعين ، إلى جانب تأمين مصادر تمويل مستدامة تساعد في إعادة بناء الاقتصاد المنهك.
إلى جانب ذلك يشكل الشلل الذي أصاب مؤسسات الدولة، مثل منصب حاكم مصرف لبنان تحديا رئيسيا يتطلب إصلاحات هيكلية جذرية. هذه الإصلاحات يجب أن تعيد بناء مؤسسات الدولة على أسس متينة ، تضمن فعاليتها واستقلاليتها عن الضغوط السياسية.
لا تقتصر التحديات على الجانب الداخلي بل تمتد إلى التوترات الإقليمية التي تلقي بظلالها على الساحة اللبنانية. الحرب العدوانية الأخيرة على الضاحية الجنوبية وما خلفته من دمار أظهرت الحاجة الماسة إلى رئيس قادر على توحيد الصفوف وتعزيز السيادة الوطنية. مع ذلك هناك مؤشرات إيجابية تتمثل في الضمانات الدولية التي تدفع نحو الاستقرار ، إضافة إلى تصاعد الضغوط الشعبية المطالبة بالإصلاحات.
لكن يبقى السؤال: هل سيتمكن الرئيس جوزاف عون من تحقيق هذه الإصلاحات الجذرية؟ الإجابة تتوقف على قدرته على تجاوز العقبات السياسية والاقتصادية وتوحيد الصفوف الداخلية. فالأزمة اللبنانية تحتاج إلى رؤية شاملة وشجاعة سياسية لتحويل التحديات إلى فرص للنهوض.
لبنان اليوم أمام مفترق طرق حقيقي. الأمل كبير في أن تكون هذه المرحلة بداية مسار جديد يعيد للبلاد استقرارها ومكانتها. ورغم الصعوبات يبقى لبنان، بشعبه وإرادته، قادرا على تجاوز المحن إذا ما توافرت القيادة الحكيمة والإرادة الصادقة للتغيير.
الأيام المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مسار البلاد. فهل سيتمكن لبنان من استغلال هذا الزخم لتحقيق الاستقرار؟ أم أن التحديات ستظل عائقا أمام التقدم؟ الوقت وحده كفيل بالإجابة لكن الأمل في نفوس اللبنانيين لا يزال حاضرا