شحاتة زكريا يكتب : أفريقيا الصاعدة .. السياسة والشباب وصناعة التغيير

0

في قلب القارة السمراء حيث تتقاطع التحديات الكبرى مع الطموحات الواعدة ، يولد جيل جديد من الشباب الذي لا يكتفي بالمراقبة بل أصبح فاعلا ومحركا للتغيير. أفريقيا اليوم ليست مجرد خريطة جغرافية أو موارد طبيعية بل هي مسرح لصراع الأفكار والرؤى السياسية والاجتماعية حيث يشق الشباب طريقه نحو المستقبل برؤية واضحة وإرادة لا تعرف المستحيل.

من نيجيريا إلى كينيا ومن جنوب أفريقيا إلى المغرب يتجلى هذا الحراك الشبابي في ساحات الاحتجاج وفي منصات التواصل وفي صناع القرار المحلي ليؤكد أن الشباب لم يعدوا جمهورا سلبيا بل أصبحوا قوة ضغط حقيقية لا يمكن تجاهلها. فهم يعرفون أن التغيير لن يأتي بالانتظار بل بالعمل الجاد والمثابرة على صناعة مجتمع أكثر عدالة وشفافية.

السياسة في أفريقيا اليوم تشهد تحولا عميقا. لم تعد الحكومة وحدها تتحكم بمسار الأحداث بل أصبح المواطن وخصوصا الشباب شريكا في صياغة السياسات العامة. هذه الديناميكية الجديدة تعكس وعيا متزايدا بأهمية المشاركة وتؤكد أن الطاقات الشبابية يمكن أن تكون مصدرا حقيقيا للابتكار والحلول المستدامة من التعليم إلى الاقتصاد ومن الصحة إلى الحكم الرشيد.

لكن الطريق نحو التغيير ليس سهلا. فالأزمات الاقتصادية والفقر المزمن والفساد المستشري لا تزال تمثل عقبات كبيرة أمام الشباب الطامح. ومع ذلك فإن هذه التحديات نفسها أصبحت حافزا لديهم لتطوير مبادرات مجتمعية لإنشاء مشاريع صغيرة ومتوسطة وللاحتفاء بالقدرات المحلية بدل الاعتماد على الحلول الخارجية. هذا المزيج بين الإبداع والشجاعة السياسية يجعل من أفريقيا نموذجا عالميًا لقوة الشباب في مواجهة الصعاب.

تجارب الشباب الأفريقي ليست محلية فقط بل لها صدى عالمي. المبادرات التقنية والمنصات التعليمية الرقمية والبرامج الريادية كلها تعكس قدرة الشباب على الابتكار حتى في أصعب الظروف. هذه الإنجازات لا تضع أفريقيا على خريطة الاقتصاد العالمي فقط بل تجعلها لاعبا مؤثرا في صياغة السياسات الدولية خصوصا في مجالات الطاقة والبيئة والأمن الغذائي.

ما يميز هذا الجيل أيضا هو روح التعاون والشراكة. لم يعد الشباب يعمل بمعزل عن المجتمع بل أصبحوا يشكلون شبكات متكاملة تربط القرى بالمدن وتربط المجتمعات المحلية بالمنظمات الدولية. هذه الشبكات ليست مجرد وسيلة للتواصل بل أداة حقيقية لتغيير الواقع وبناء مستقبل أكثر استدامة.

أفريقيا الصاعدة ليست مجرد شعار أو حلم بعيد بل هي حقيقة تتشكل كل يوم على أرض الواقع. الشباب هنا يثبتون أن السياسة ليست حكرا على النخب ، وأن التغيير الحقيقي يبدأ من إرادة الشعوب ووعيها بمستقبلها. كل احتجاج كل مشروع كل مبادرة هي خطوة نحو بناء قارة أكثر قوة وعدلا.

وفي نهاية المطاف إذا كان العالم يبحث عن قصة نجاح حقيقية فإنه يجدها في هذا الجيل من الشباب الأفريقي. جيل يؤمن بالحرية ويعمل من أجل العدالة ويصنع التغيير بصمت لكنه مؤثر جيل يجعل من أفريقيا قوة لا يُستهان بها ليس فقط على الصعيد السياسي بل على الصعيد الإنساني والإبداعي أيضا.

أفريقيا اليوم بحق ليست مجرد قارة تنتظر المستقبل بل هي المستقبل نفسه الذي يصنعه شبابها بإرادة لا تعرف المستحيل.