شحاتة زكريا يكتب: أمريكا بين اقتصاد ترامب وسياسة زيلينسكي.. من يربح المعركة؟

3

في عالم السياسة لا شيء يحدث بالصدفة. وعندما يطرد دونالد ترامب ، السياسي القادم من عالم المال والأعمال نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من اجتماع مهم فإن خلف الكواليس تدور معركة أكبر من مجرد خلاف دبلوماسي عابر. هي مواجهة بين منطق الصفقات البحتة ، حيث تحكم الأرقام والمصالح وبين رؤية زعيم يحاول تثبيت أقدامه في معركة مصيرية لبلاده.

ترامب المعروف بأسلوبه الحاد والمباشر لا يرى السياسة سوى امتداد لمنطق السوق. فهو لا يؤمن بالتحالفات التقليدية أو الدبلوماسية الناعمة ، بل يفضل لغة الأرقام والعوائد المباشرة. عندما جلس مع زيلينسكي ، كان هدفه واضحا: تأمين صفقة معادن تضمن للولايات المتحدة السيطرة على موارد أوكرانيا الحيوية. لم يكن الأمر يتعلق فقط بالاقتصاد بل بموازين القوى في الحرب الباردة الجديدة مع روسيا.

لكن زيلينسكي الذي أصبح رمزا للصمود الأوكراني لم يكن مستعدا لبيع أوراقه بهذه السهولة. فمنذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية ، وهو يسعى للحفاظ على دعم الغرب دون أن يتحول إلى مجرد دمية تحركها واشنطن. لذلك عندما طُرحت الصفقة ، لم يكن موقفه متحمسا ، بل طالب بضمانات أقوى لحماية بلاده من أي استغلال طويل الأمد.

هنا اصطدمت رؤيتان متناقضتان. ترامب الذي لا يطيق من يناقشه في منطق الربح والخسارة، وجد أن زيلينسكي ليس الشريك المرن الذي توقعه. لم يكن مستعدا للقبول بشروط أوكرانية قد تعرقل أهدافه ، خاصة في وقت يسعى فيه لتعزيز موقفه قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية. فكان القرار سريعا: إنهاء الاجتماع بطرد زيلينسكي ، في مشهد استعراضي يحمل رسالة واضحة – لا مكان للعواطف في عالم الصفقات.

لكن هل كان ذلك القرار صحيحا؟ من منظور اقتصادي.قد يبدو الأمر خطوة ذكية ، فترامب يريد تأمين الموارد الأمريكية دون تقديم تنازلات كبيرة. لكنه سياسيا قد يكون ارتكب خطأً استراتيجيا أوكرانيا.رغم حاجتها الماسة للدعم الأمريكي ليست بلا خيارات أخرى. الأوروبيون الذين يشعرون بالقلق من أسلوب ترامب، قد يكونون أكثر استعدادًا لملء الفراغ الذي يتركه. كما أن روسيا رغم كونها العدو الأول لكييف قد تستغل أي تصدعات في العلاقات الأمريكية الأوكرانية لصالحها.

بالنسبة لزيلينسكي فإن رفضه الانصياع لرغبات ترامب قد يمنحه نقاطا على المستوى الداخلي ، حيث يظهر كرئيس لا يفرط في مصالح بلاده بسهولة. لكنه في المقابل يواجه معضلة: هل يستطيع الحفاظ على الدعم الأمريكي دون تقديم تنازلات؟ وهل يمكنه مقاومة الضغوط المتزايدة من حلفائه الغربيين؟

المعركة بين ترامب وزيلينسكي ليست مجرد مواجهة بين زعيمين بل هي انعكاس للتحولات الكبرى في السياسة العالمية. لم يعد العالم محكوما فقط بالتحالفات التقليدية ، بل باتت المصالح المتغيرة هي التي تحدد العلاقات. اليوم يقف زيلينسكي أمام اختبار صعب: هل ينجح في المناورة بين القوى العظمى دون أن يخسر استقلالية قراره؟ وفي المقابل هل يدرك ترامب أن السياسة ليست دائما مجرد صفقة يمكن فرض شروطها على الطرف الأضعف؟

الأيام القادمة ستكشف من يربح هذه المواجهة لكن ما هو مؤكد أن السياسة لم تعد كما كانت وأن لغة المصالح ستظل اللاعب الأساسي في رسم مستقبل العلاقات الدولية.