شحاتة زكريا يكتب : إسرائيل.. تداخل التكتيك والاستراتيجية في خضم الصراع الإقليمي
في التحليل العميق للأحداث الجارية بين تل أبيب وطهران يتجلى مشهد معقد متشابك يجمع بين الأبعاد السياسية والعسكرية ، حيث يبدو أن المنطقة بأسرها تقف على حافة صراع كبير ، ولكن اللافت للنظر هو أن هذه المواجهة ليست عسكرية بحتة كما قد يبدو للوهلة الأولى ، بل تحمل في طياتها أبعادا سياسية واقتصادية واستراتيجية أعمق بكثير.
السياسات المتعددة الطبقات: تكتيك أم استراتيجية؟
نتنياهو ، كرئيس وزراء إسرائيلي متمرس، يدرك أن الصراع مع إيران ليس مجرد مواجهة عسكرية عابرة، بل هو جزء من لعبة أكبر تتضمن تحالفات معقدة وتوازنات دقيقة على المستويين الإقليمي والدولي. طموحاته لا تقتصر على ردع التهديد الإيراني العسكري ، بل تمتد إلى تحقيق مكاسب سياسية داخلية وتعزيز مكانته أمام الرأي العام الإسرائيلي والعالمي ، مستغلا الظروف الدولية والتقلبات الإقليمية لتمرير أجندته الخاصة.
حماس والصراع في غزة: ما وراء الحدود الوطنية؟
عندما أطلقت حماس عملياتها في غزة ، كانت تظن أنها تفتح الباب أمام حرب إقليمية واسعة قد تجذب أطرافا أخرى من المنطقة. ومع ذلك كانت المفاجأة في أن الأطراف الحليفة، مثل إيران وحزب الله، لم تتفاعل بالشكل الذي كان متوقعا. فإيران المشغولة بصراعاتها الإقليمية والدولية، تجنبت الانخراط الكامل في الصراع، وحزب الله لم يتجاوز دوره الدعائي في بداية الأمر.
هذا التحفظ الإقليمي يثير تساؤلات حول ما إذا كانت الفصائل الفلسطينية تدرك تماما الحسابات الجيوسياسية الأوسع التي تتجاوز مصالحها المحلية. فالتحالفات الإقليمية والدولية غالبا ما تتحدد بناء على اعتبارات اقتصادية واستراتيجية معقدة، وليس بالضرورة على أساس الولاء الأيديولوجي أو الديني.
إيران والسعودية: صراع محوري أم تهدئة استراتيجية؟
على الرغم من أن صراع إسرائيل وإيران يبدو في ظاهره مواجهة عسكرية تقليدية، فإن الحقيقة تكمن في أن الصراع يحمل أبعادا أعمق تتعلق بتغيرات التحالفات الإقليمية. ففي الوقت الذي كانت فيه السعودية وإيران تتجهان نحو تهدئة في العلاقات بوساطة أمريكية، بدأت إسرائيل تشعر بالخطر من احتمالية تحييد العداء التقليدي بين الرياض وطهران.
وفي الوقت ذاته.فإن صعود مشاريع كبرى مثل مشروع الممر الهندي الأوروبي عبر الخليج، الذي يستثني القضية الفلسطينية بشكل كبير، يعكس تحولات في أولويات القوى الإقليمية. تلك المشاريع الاقتصادية الكبرى تشير إلى أن العديد من الدول العربية والإقليمية بدأت تركز على التنمية الاقتصادية والبنية التحتية بدلا من الصراعات المسلحة التقليدية.
نتنياهو: السياسي العسكري ورهاناته المتعددة
نتنياهو بتاريخه الطويل في السياسة الإسرائيلية، يتفهم جيدا أن الصراع العسكري لا يمكن فصله عن الصراع السياسي. فكل خطوة عسكرية يقوم بها تحمل في طياتها رسالة سياسية سواء كانت موجهة إلى الداخل الإسرائيلي، أو إلى المجتمع الدولي. وما يحدث الآن في المنطقة يعكس استغلاله للظروف الدولية لتمرير أجندته الخاصة ، حتى لو كان ذلك على حساب تصعيد الصراع مع إيران وحلفائها.
فالهجمات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية ليست سوى جزء من استراتيجية أكبر تهدف إلى تقسيم محور المقاومة وإضعافه على مراحل. وعلى الرغم من أن إيران وحزب الله لم يتجاوبا بالشكل الذي توقعته حماس، إلا أن نتنياهو يدرك أن الفرصة متاحة الآن لاستغلال هذا الانقسام الداخلي لصالح إسرائيل.
التحولات في الداخل الإسرائيلي: دعم داخلي وسط العاصفة
في إسرائيل يجد نتنياهو نفسه أمام تحديات داخلية ضخمة، حيث يعاني من ضغوط داخلية تتعلق بالأزمات السياسية والاقتصادية، وملفات الفساد التي تطارده. ومع ذلك، فإن تصعيد الصراع مع إيران والفصائل الفلسطينية يمنحه فرصة لتوحيد الجبهة الداخلية، وفرض نفسه كقائد قوي يدافع عن أمن إسرائيل في مواجهة “التهديدات الخارجية”.
بعبارة أخرى، فإن التصعيد العسكري ليس فقط وسيلة لردع الخصوم الإقليميين، بل هو أيضا وسيلة لاستعادة شعبيته المتآكلة، وتحويل الأنظار عن الأزمات الداخلية. ومن خلال اللعب على وتر الأمن القومي والتهديدات الخارجية، يستطيع نتنياهو أن يضمن استمرار دعمه السياسي، على الأقل في المدى القصير.
مستقبل المنطقة في ظل التعقيدات السياسية والعسكرية
إن الصراع بين تل أبيب وطهران لا يمكن فهمه بشكل منعزل عن السياقات السياسية والاقتصادية الأوسع. فبينما تتصاعد التوترات العسكرية، تستمر التحالفات الإقليمية في التشكل والتحول، ما يعكس تعقيد المشهد السياسي في المنطقة.
نتنياهو بحنكته السياسية، يدير هذا الصراع على مستويات متعددة، مستفيدا من تردد حلفاء إيران، ومن توترات الساحة الدولية. ومع ذلك فإن استمرارية هذا النهج تعتمد على مدى قدرة القوى الإقليمية على التكيف مع هذه التحولات، وما إذا كانت ستختار المواجهة أو التهدئة.
في النهاية يبقى السؤال الأكبر هو: هل ستظل المنطقة رهينة لهذه الصراعات المستمرة، أم أن هناك فرصة حقيقية لتحقيق تسويات سياسية تضمن استقرارها على المدى الطويل؟
[3:08 PM, 10/16/2024] Awatef: معذرة ية أستاذ شحاتة الموقع فيه مشكلة وفي انتظار حلها
[3:10 PM, 10/16/2024] Shehata Zakarya: تمام