شحاتة زكريا يكتب : اتفاق غزة بين الحقيقة والتساؤلات .. هل انتهت المأساة أم بدأ فصل جديد؟

0

إعلان وقف الحرب على غزة جاء كنبأ طال انتظاره ، لكنه أثار في الوقت نفسه سلسلة من التساؤلات حول توقيته وأبعاده. هذه الحرب التي خلّفت نحو 200 ألف شهيد وجريح ، وأغرقت القطاع في معاناة إنسانية تفوق الوصف انتهت باتفاق يعيد إلى الأذهان المبادرات السابقة ، لا سيما المبادرة المصرية في مايو 2024 ، والتي حملت آنذاك نفس البنود تقريبا.

اللافت للنظر أن الإعلان الحالي ، وإن بدا مختلفا في تفاصيله السياسية ، يطرح تساؤلات حول دور الأطراف الفاعلة في تحقيقه. مصر التي أطلقت مبادرتها قبل شهور أثبتت مرة أخرى أنها لاعب إقليمي حاسم في قضايا المنطقة بفضل مواقفها القائمة على الحكمة والرؤية الاستراتيجية. إذ لم يكن هدفها تسجيل نقاط سياسية أو حصد مكاسب آنية، بل وقف نزيف الدم الفلسطيني وحماية الأمن القومي العربي، وسط صمت دولي يُلقي بظلاله على المشهد.

على الجانب الآخر تُظهر قراءة المشهد أن الإدارة الأمريكية في عهد بايدن لم تمارس ضغوطا حقيقية على إسرائيل خلال الشهور الماضية لتنفيذ الاتفاق السابق. فلو كان هناك التزام دولي جاد تجاه وقف هذه المأساة ، لما استغرقت المفاوضات كل هذا الوقت. المفارقة أن إدارة ترامب برغم سياساتها المثيرة للجدل ، استطاعت عبر مبعوثها الخاص فرض شروط حاسمة على الحكومة الإسرائيلية، مما يعكس تناقضا في تعامل الإدارات الأمريكية مع ملف غزة.

دور نتنياهو كعادته لم يخرج عن سياق المراوغة ومحاولات استنزاف الزمن لتحقيق مكاسب سياسية داخلية، متجاهلا الكلفة الإنسانية المروعة التي تحملها المدنيون في غزة. هذه السياسات تطرح تساؤلات حول مصداقية أي التزام إسرائيلي بتنفيذ الاتفاق الجديد خاصة وأن سجل الاحتلال حافل بنقض العهود والالتفاف على الاتفاقيات.

أما قطر التي واصلت دورها الوسيط ، فقد لعبت دورا تكامليا مع مصر في تقريب وجهات النظر وتهيئة الأجواء السياسية لتحقيق الاتفاق. هذا التعاون يُظهر أن التنسيق العربي يمكن أن يشكل ركيزة لتحقيق توازن استراتيجي في المنطقة، إذا ما تم استثماره بذكاء.

لكن هل يعني الاتفاق الجديد أن الأزمة انتهت؟ الإجابة ليست بهذه البساطة. الاحتلال الإسرائيلي الذي بنى سياسته على التوسع والاستيطان لن يتوقف عن محاولاته لفرض الأمر الواقع. كما أن الوضع الإنساني الكارثي في غزة يتطلب تحركا دوليا عاجلا لإعادة إعمار القطاع ، ودعم سكانه الذين تحمّلوا العبء الأكبر في هذه الحرب.

المجتمع الدولي الذي طالما اكتفى بالتنديد يواجه اختبارا جديدا ليثبت قدرته على ضمان تنفيذ الاتفاق. كما أن الولايات المتحدة باعتبارها الضامن الرئيسي مطالبة باتخاذ مواقف حاسمة تمنع الاحتلال من التملص أو استغلال الوقت لإطالة أمد الأزمة.

وفي النهاية يبقى الأمل معقودا على إرادة الشعوب العربية ودعمها المتواصل لفلسطين. غزة التي أثبتت بصمودها أنها ليست مجرد قضية إنسانية ، بل رمز للكرامة الوطنية تحتاج اليوم إلى أكثر من التهدئة؛ تحتاج إلى خطوات حقيقية تُنهي الاحتلال وتعيد الحقوق إلى أصحابها. فالاتفاقات وحدها لا تكفي إذا لم تكن مدعومة بإرادة دولية رادعة ، وإجماع عربي قوي.

غزة اليوم ليست فقط عنوانا للمعاناة ، بل مرآة تعكس مدى قدرة العالم على تحقيق العدل في وجه الاحتلال