شحاتة زكريا يكتب:الاستبداد في سوريا.. تعددت الأسماء والطغيان واحد

0

لم يكن السوريون بحاجة إلى عقد كامل من الحرب والدمار ليكتشفوا أن الاستبداد لا يتغير بالأسماء أو الشعارات ، بل هو منظومة تعيد إنتاج نفسها بأشكال مختلفة. بين بشار الأسد الذي ورث حكم سوريا عن أبيه وأبو محمد الجولاني الذي فرض نفسه حاكما على الشمال السوري بقوة السلاح لا يبدو الفارق كبيرا. كلاهما يعتمد على القمع وكلاهما يرى في السلطة حقا مطلقا لا يجوز لأحد منازعته فيه ، وإن اختلفت الأساليب والمبررات.

بشار الأسد تسلم دولة ذات مؤسسات لكنه حكمها بعقلية المزرعة حيث تتحكم العائلة والأجهزة الأمنية بكل شيء. الجولاني بدأ من ميليشيا مسلحة لكنه سعى إلى تشكيل كيان سياسي وإداري ، يحاكي نموذج الدولة مع الاحتفاظ بالسلطة المطلقة في يده وحده. الأول يبرر استبداده بمقاومة “المؤامرة والإرهاب”، والثاني يبرره بحماية “المشروع الإسلامي”، لكن في النهاية كلاهما يقمع معارضيه بالسجون والاغتيالات والتضييق.

الإعلان الدستوري الذي طرحه الجولاني مؤخرا لا يختلف كثيرا عن الدساتير التي صاغتها الأنظمة الشمولية عبر التاريخ. هو مجرد غطاء قانوني لشرعنة حكم الفرد وإقصاء أي صوت معارض كما فعل البعث من قبل. تحت مسمى “تحكيم الشريعة”، يعيد الرجل إنتاج سلطة الحزب الواحد حيث لا تعددية ولا مشاركة شعبية حقيقية بل فقط طاعة مطلقة للحاكم الجديد.

من المفارقات أن الجولاني الذي بدأ مسيرته في صفوف القاعدة ، تحول اليوم إلى زعيم براغماتي ، يُجيد اللعب على التوازنات الدولية، ويبدل تحالفاته وفق المصالح. كما أن أسلوبه في إدارة المناطق الخاضعة لسيطرته يشبه إلى حد كبير نهج الأسد ، من حيث فرض الولاءات وإحكام القبضة الأمنية والتضييق على الحريات. الفرق الوحيد أن الأول يرفع راية الإسلام بينما الثاني يرفع شعار “العلمانية” و”الدولة الوطنية”، لكن النتيجة واحدة: حكم الفرد وغياب العدالة واستمرار معاناة السوريين.

الذين خرجوا ضد الأسد مطالبين بالحرية لن يقبلوا أن يستبدلوا مستبدًا بآخر مهما كان خطابه أو مبرراته. وكما كانت الثورة على نظام البعث حتمية تاريخية، فإن أي محاولة لإعادة إنتاج الديكتاتورية، ولو تحت غطاء ديني، ستواجه المصير نفسه. ربما تطول المأساة لكن الشعوب لا تُهزم إلى الأبد وسوريا لن تبقى إلى الأبد رهينة بين طغيانين يتنافسان على سحقها.