شحاتة زكريا يكتب : التضخم الأمريكي: معركة سياسية أم أزمة عالمية؟
في إطار الحملة الانتخابية الأمريكية لعام 2024 كانت أول مناظرة رئاسية بين الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب مسرحا لتبادل الاتهامات حول قضية شغلت الولايات المتحدة والعالم .. وهي **التضخم**. ففي الوقت الذي يعاني فيه الأمريكيون من الارتفاع الحاد في الأسعار حاول كل من بايدن وترامب إلقاء اللوم على الآخر باعتباره المتسبب في هذه الأزمة الاقتصادية.
تراشق الاتهامات
ترامب الذي سلم البيت الأبيض لبايدن في 2021 اتهم الأخير بتدمير الاقتصاد قائلا: “لقد أعطيته دولة خالية من التضخم بشكل أساسي”. من جانبه رد بايدن بأن ترامب ترك اقتصادا في حالة ركود بسبب سوء إدارته لجائحة كوفيد-19 ، مشيرا إلى أن التضخم المنخفض في فترة ترامب كان نتيجة لركود اقتصادي وليس لسياسات ناجحة.
العوامل الحقيقية وراء التضخم
ورغم ما قد يظهر من أن التضخم مرتبط بسياسات بايدن أو ترامب إلا أن الخبراء يؤكدون أن الصورة أكثر تعقيدا. فالتضخم الحالي هو نتيجة لعوامل عالمية خارجة عن سيطرة أي رئيس بعينه. فقد لعبت **جائحة كوفيد-19** دورا رئيسيا في تغيير ديناميكيات العرض والطلب بشكل جذري ، حيث تعطلت سلاسل التوريد وازدادت تكلفة الإنتاج والنقل.
كما أن **الحرب الروسية الأوكرانية** كانت لها آثار مباشرة على الأسعار العالمية للغذاء والوقود ، مما زاد من تفاقم التضخم. كما أن القرارات الاقتصادية السابقة، مثل **الحرب التجارية** التي شنها ترامب ضد الصين ، أدت إلى ضغوط إضافية على الاقتصاد الأمريكي.
دور الاحتياطي الفيدرالي
من بين اللاعبين الرئيسيين في مشهد التضخم الأمريكي، يأتي **بنك الاحتياطي الفيدرالي**، الذي يُعد هيئة مستقلة عن الإدارة التنفيذية. تأخر البنك في اتخاذ إجراءات حاسمة لاحتواء التضخم ما أدى إلى تفاقم الأزمة كما أن بعض سياسات التحفيز الاقتصادي التي أُقرت خلال فترة ترامب واستمرت في فترة بايدن، مثل **حزم الإغاثة من الوباء**، ساهمت في زيادة الطلب بشكل غير متناسب مع العرض المتاح.
هل يجب إلقاء اللوم على الرؤساء؟
الرؤساء عادة ما يحصلون على الفضل أو اللوم في أداء الاقتصاد ، لكن الحقيقة هي أن العديد من العوامل التي تؤثر على الاقتصاد الأمريكي تكون خارج سيطرتهم. كما أن الأزمات الاقتصادية العالمية تفرض نفسها على الولايات المتحدة كونها جزءا من الاقتصاد العالمي المتشابك.
في نهاية المطاف يظل التضخم تحديا يتطلب جهودا منسقة بين الحكومة الفيدرالية الاحتياطي الفيدرالي والمجتمع الدولي .. بينما يستمر التراشق السياسي بين بايدن وترامب يتطلع الأمريكيون إلى سياسات تعيد لهم الاستقرار الاقتصادي وتخفف من وطأة ارتفاع الأسعار.
وفي الأخير
بينما تظل المناظرات الرئاسية مليئة بالاتهامات والمواقف الحادة ، يجب أن ندرك أن الأزمات الاقتصادية مثل التضخم تتطلب حلولا شاملة وتعاونا دوليا .. الأزمة الحالية في الولايات المتحدة ليست نتاج فترة رئاسية واحدة ، بل هي نتيجة لتشابك العديد من العوامل العالمية والمحلية التي تحتاج إلى استجابات متوازنة ومستدامة
شحاته زكريا
باحث في علوم السياسة والاقتصاد
متخصص في تحليل المشهد السياسي