شحاتة زكريا يكتب: التهجير القسري .. جريمة ضد الإنسانية لا تمحوها الأيام
منذ أن بدأ الحديث عن “صفقة القرن” الأمريكية بدأت تفاصيل مؤامرة جديدة تتكشف أمام العالم ، مؤامرة ليست فقط ضد الشعب الفلسطيني ، بل ضد قيم الإنسانية جمعاء. الحديث عن تهجير الفلسطينيين من أرضهم ليس مجرد سيناريو سياسي عابر بل هو طموح مستمر لأطراف تسعى لتصفية القضية الفلسطينية على مرأى ومسمع من الجميع. تخيلوا حجم الجريمة التي ستحدث إذا ما تحققت هذه المؤامرة حين تقتحم القوات العسكرية مخيمات اللاجئين في غزة، وتجرهم عنوة نحو أرض مجهولة في صومال أو صحراء قاحلة. تلك ستكون اللحظة الأكثر سوادا في التاريخ نقطة عار لن يمحوها الزمن.
التهجير القسري لا يعني مجرد نقل الفلسطينيين من مكان إلى آخر بل هو بمثابة سلب كامل لحقهم في الوجود. هو محاولة لطمس هويتهم وذكرياتهم وحياتهم التي تجذرت في أرضهم. إن الإنسان الفلسطيني الذي واجه أبشع صور القتل والتدمير الذي عاش تحت وطأة الحروب والنزاعات ، لن يكون سهلا اقتلاعه من أرضه حتى وإن كانت رياح العنف تحاصره من كل مكان. الفلسطيني لن يرضخ للتهجير ولن يخضع لمخططات تهدف إلى تغيير هويته أو تقليص حقوقه. في وقت تلتئم فيه جراح الوطن وتبنى فيه البنية التحتية، تزداد المحاولات لتقويض وجوده في أرضه.
ماذا لو كانت أمريكا التي تدعي دائما دفاعها عن حقوق الإنسان ، هي التي تقف وراء هذه المؤامرة؟ أمريكا التي قدمت نفسها منذ عقود كحامية للحرية والديمقراطية، تبدو الآن وكأنها تتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي في تنفيذ جريمة تهجير قسرية بحق شعب بأكمله. كيف يمكن لدولة تتفاخر برمز “تمثال الحرية” أن تدعم خطة تهجير قسري لشعب لا ذنب له سوى أنه تمسك بحقوقه في وطنه؟ كيف يمكن لمجتمع عالمي يدعي العدالة أن يرضخ لمخطط كهذا يجرّد الفلسطينيين من حقهم في العيش بسلام في وطنهم؟
النظرة إلى هذا الوضع لا تقتصر فقط على الحرب المدمرة في غزة أو على الأزمات الإنسانية التي يشهدها الشعب الفلسطيني. بل يجب أن تشمل استعراضا للأيديولوجيا التي تقف وراء هذه المخططات ، والتي تسعى إلى نفي الفلسطيني من أرضه لتجعلها جزءا من حلم أكبر يسعى إلى تحقيقه الاحتلال الإسرائيلي. إسرائيل التي كانت تأمل في أن تجعل غزة “منتجعا سياحيا” خاليا من الفلسطينيين لم تتوقف عن تنفيذ سياستها التي تقوم على طرد السكان الأصليين لاحتلال الأراضي وتوسيع نطاق السيطرة العسكرية.
لكن الحقيقة التي لا يمكن لأي قوة أن تمحوها هي أن فلسطين بكل مكوناتها من أرض وشعب وتاريخ ، ستظل جزءا لا يتجزأ من الذاكرة العربية والعالمية. غزة بكل ما تحمله من صمود وأمل ليست مجرد مكان ، بل هي رمز لحق العودة وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. أي محاولة لتغيير هذه الحقيقة ستكون محكومًا عليها بالفشل.
العديد من الأصوات حول العالم بدأت تعارض هذا المخطط، ورفضت تداعياته التي قد تشمل تدمير حياة الملايين من البشر. هذه الأصوات تتعالى اليوم مع الموقف الثابت من الدول العربية الكبرى التي لا تزال تؤمن بأن فلسطين يجب أن تبقى لأهلها وأن أي محاولة لتشويه تاريخها أو تهجير شعبها هي جريمة لا يمكن السكوت عنها.
لا يمكن أن تكون هناك مبررات أخلاقية لتهجير شعب قسرا من أرضه ، فلا شيء يمكن أن يعوض الفلسطيني عن وطنه. مهما حاول البعض فرض حلول غير عادلة فإن الشعب الفلسطيني سيظل ثابتا في أرضه ولن يقبل بأن يكون ضحية لمؤامرة لا تزيده إلا قوة وصمودا.
إسرائيل قد تراهن على الوقت والظروف لتفرض واقعا جديدا ولكن الزمن الذي يتصورونه ليس في صالحهم. لأن ما يحدد هوية الأرض ليس القوة العسكرية ، بل إرادة الشعب. غزة لن تكون “ريفييرا الشرق الأوسط” أو “سنغافورة جديدة”، بل ستظل فلسطين، حرة، مستقلة، وعاصمتها القدس.