شحاتة زكريا يكتب : الرئاسة الأمريكية .. بين الصراع على السلطة والتحولات الديمقراطية
في عوالم السياسة الأمريكية تلوح في الأفق انتخابات الرئاسة القادمة ليس كحدث دوري يتكرر كل أربع سنوات فحسب وإنما كميدان فريد يحمل من التحديات ما يعيد تشكيل صورة الديمقراطية. إن النظرة التقليدية التي طالما اعتُمدت عليها في قراءة المشهد الأمريكي أصبحت اليوم موضع تساؤل إذ نرى الأمريكيين ينقسمون حول رؤى تتجاوز مواقفهم الحزبية. هذه الانتخابات تعكس التحولات الثقافية والسياسية العميقة التي تخللت المجتمع الأمريكي منذ صعود ترامب في 2016 والذي نجح في إحداث شرخ داخل البناء الحزبي ذاته.
التحولات ليست داخلية فحسب الولايات المتحدة تواجه اليوم اختبارا في الحفاظ على مكانتها العالمية ، بينما تصارع لتحافظ على ثوابتها التقليدية في الداخل. الأسئلة التي تطرح حول مصير الديمقراطية الأميركية أصبحت اليوم ملحة في ظل استقطاب حاد يمزق المجتمع ويظهر بوضوح عبر القضايا الجدلية بدءا من السياسات الاقتصادية، مرورا بالعلاقات مع حلفائها، وانتهاء بكيفية التعامل مع خصومها التقليديين.
لا تخلو الساحة من التعقيدات إذ يأتي ترامب كممثل لنموذج شعبوي يسعى إلى تكريس مزيد من السلطة في يد الرئيس عارضا مفهوما مختلفا للحكم يمزج بين قرارات فردية متسارعة ورفض للالتزامات التقليدية مدفوعا بتأييد قاعدة شعبية واسعة ترى فيه زعيما قادرا على كسر “قيود” المؤسسات الحزبية التي يعتبرونها عقبة أمام الإصلاح. في المقابل تقف كامالا هاريس مدافعة عن الإرث الديمقراطي الذي تدعمه غير أنها تحمل معها تحديات عدة كونها جزءا من الإدارة الحالية ما يجعلها محملة بتبعات أخطاء قد لا تكون مسؤولة عنها بالكامل لكنها تظل عائقا أمام قدرتها على تبني رؤى متجددة.
السؤال الأهم هنا: هل ستنجح الديمقراطية الأمريكية في الصمود وسط هذه التحديات؟ الانتخابات هذه المرة لا تتمحور حول أحزاب بقدر ما تتناول أفكارا وقيما تتجاوز الحزبين وتناقش جدوى الأسس التي بُنيت عليها واشنطن كقوة عالمية منذ عقود.