شحاتة زكريا يكتب : الشرق الأوسط بين خيارات التصعيد ومسارات التسوية

2

في ظل المتغيرات المتسارعة التي تشهدها المنطقة بات الشرق الأوسط ساحة تتداخل فيها المصالح الإقليمية والدولية على نحو غير مسبوق. هذه الديناميات المعقدة لا تقتصر على مواجهات عسكرية أو صراعات سياسية فحسب بل تمتد لتشمل إعادة تشكيل التحالفات وتغيير الأولويات بما يعكس طبيعة المرحلة. ومع تصاعد التوترات تظهر المنطقة وكأنها تتأرجح بين خيارين: تصعيد واسع النطاق ، أو تسوية شاملة تعيد ترتيب الأوراق.

يجد حزب الله كأحد أبرز اللاعبين الإقليميين نفسه في وضع لا يحسد عليه. فمن جهة يواجه ضغوطا هائلة نتيجة ارتباطه بالمشروع الإيراني الذي يعاني من تصدعات واضحة في سوريا ولبنان والعراق. ومن جهة أخرى تبدو خياراته محدودة إزاء التصعيد المتزايد مع إسرائيل التي لا تزال تسعى لتحقيق مكاسب استراتيجية وسط حالة من الضعف التي تعتري خصومها. لكن تلك المكاسب لا تأتي بسهولة إذ إن إسرائيل تواجه بدورها أزمات داخلية وصراعات سياسية تجعل من تحقيق أهدافها الكبرى أمراً محفوفاً بالتحديات.

في الجانب الآخر ، تبدو القوى الدولية وكأنها تعيد رسم خريطة النفوذ في المنطقة. الولايات المتحدة، روسيا، وتركيا جميعها تسعى لترتيب أولوياتها بما يخدم مصالحها الاستراتيجية. لكن هذه الطموحات تصطدم بتعقيدات الواقع المحلي في الشرق الأوسط حيث تتشابك المصالح العرقية والمذهبية والسياسية على نحو يعقد أي محاولات لإعادة التوازن.

المشهد العربي لا يبدو أوضح حالا الدول المعتدلة تقف في مفترق طرق بين الانخراط في تحالفات جديدة أو محاولة التكيف مع المتغيرات ، في حين تجد الأطراف المنخرطة في الصراعات نفسها مضطرة للتعامل مع أوضاع أكثر تعقيدا هذا التردد يعكس حالة من الحيرة لا سيما مع استمرار تدفق الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تضغط على الدول العربية من الداخل.

في هذا السياق تبرز سوريا كعنصر محوري في معادلة الصراع. أصبحت البلاد مركزا لتشابك المصالح الإقليمية والدولية ، ومع ذلك يبدو أن مستقبلها لا يزال غامضا هل ستتحول إلى مسرح لتصعيد أكبر يقود إلى انفجار إقليمي واسع؟ أم أن هناك أفقا لتسوية سياسية تعيد ترتيب المشهد؟ الإجابة عن هذه الأسئلة ليست سهلة ، خاصة أن الأطراف الفاعلة في الصراع السوري تبدو أكثر انقساما من أي وقت مضى.

الخلاصة التي يمكن الخروج بها من هذا المشهد المضطرب أن الشرق الأوسط يعيش على حافة تغير جذري. الاحتمالات مفتوحة بين التصعيد والتسوية وفي الحالتين ستكون النتائج بعيدة المدى. قد يشهد العالم صعود تحالفات جديدة أو تراجع نفوذ قوى كبرى ، لكن المؤكد هو أن المنطقة كما نعرفها الآن لن تبقى على حالها التحدي الحقيقي يكمن في قدرة الأطراف الفاعلة على إدراك اللحظة التاريخية والتعامل معها بحكمة ، بعيدا عن منطق المغامرة أو الاستسلام لضغوط الواقع.