شحاتة زكريا يكتب : الشرق الأوسط .. دروب متشابكة ومسارات نحو المستقبل

14

لا تزال منطقة الشرق الأوسط تمثل لغزا معقدا في العلاقات الدولية ومركزا دائما للتقلبات السياسية والاجتماعية. فمنذ عقود طويلة والمنطقة تتأرجح بين الأزمات والصراعات التي تركت بصماتها على حاضرها ، وتركت شعوبها عالقة بين الأمل والتحديات.

في قلب هذه التحولات يبدو أن النمط التقليدي للصراعات قد أصبح جزءا من ماض يُعاد تشكيله. الأزمات في الشرق الأوسط لم تعد مجرد نتائج لصراعات حدودية أو اختلافات سياسية داخلية ، بل باتت أكثر تعقيدا ، حيث تتشابك المصالح الإقليمية والدولية بطريقة تجعل من الصعب التمييز بين الفاعلين الأساسيين والثانويين.

رغم ذلك فإن السقوط المتكرر لبعض الأنظمة السياسية كشف عن أزمة أعمق من مجرد ضعف في الإدارة أو الفساد. إن فشل الحكومات في الاستجابة لتطلعات الشعوب وغياب الإرادة الحقيقية للإصلاح كانا عاملين حاسمين في هذه التغيرات. لا يمكن إنكار أن الاعتماد المفرط على القوى الخارجية في مواجهة الأزمات قد أدى في النهاية إلى نتائج عكسية، حيث أصبحت تلك القوى نفسها جزءا من الأزمة بدلا من أن تكون جزءا من الحل.

وفي ظل هذه التعقيدات تبرز الحاجة إلى رؤية عربية مشتركة تستند إلى المصالح المتبادلة والتفاهم العميق للواقع. لا يمكن لأي دولة في الشرق الأوسط أن تعيش بمعزل عن محيطها، كما أن الأمن والتنمية لن يتحققا من خلال الانفراد بالقرارات أو التركيز على المصالح الذاتية الضيقة. التعاون الإقليمي لم يعد خيارا بل ضرورة ، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية المتزايدة.

إلى جانب ذلك فإن النهضة الحقيقية لأي مجتمع تبدأ من الإنسان نفسه. الاستثمارات في التعليم، والصحة، والابتكار العلمي تمثل الأساس لأي تقدم. فالشرق الأوسط، رغم ما يملكه من ثروات طبيعية لا يزال بعيدا عن تحقيق تنمية شاملة ومستدامة. الفجوة بين ما تمتلكه المنطقة من إمكانيات وما تحتاجه شعوبها على أرض الواقع تُعد واحدة من أبرز التحديات التي ينبغي مواجهتها بحزم.

على الصعيد الدولي تزداد التحديات تعقيدا. القوى العالمية الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، تتنافس على النفوذ في المنطقة، بينما تواجه الدول العربية موقفا حرجا يدفعها إلى ضرورة إعادة النظر في تحالفاتها ومواقفها الاستراتيجية. لكن السؤال الأهم: إلى أي مدى يمكن للعرب أن يكونوا لاعبين فاعلين في هذا المشهد بدلا من مجرد متلقين للتغيرات؟

رغم كل ما سبق لا يزال الأمل ممكنا شعوب المنطقة أثبتت في مراحل مختلفة قدرتها على تجاوز المحن والتطلع إلى مستقبل أفضل. ولكن هذا المستقبل لن يُبنى إلا بقرارات جريئة تعيد صياغة الأولويات وترسخ مبادئ العمل المشترك. الشرق الأوسط ليس بحاجة إلى مزيد من الخطط المؤقتة بل إلى رؤية شاملة تستهدف تحقيق العدالة الاجتماعية والازدهار الاقتصادي والاستقرار السياسي.

إن ما يمر به الشرق الأوسط اليوم هو مخاض جديد لتشكيل ملامح المستقبل. ومع كل ما يحمله هذا المخاض من آلام وتحديات فإن الفرصة ما زالت سانحة لبناء واقع جديد يستند إلى الحكمة في اتخاذ القرارات والشجاعة في مواجهة التحديات.