شحاتة زكريا يكتب : الصراع في الشرق الأوسط وتأثيراته الاقتصادية العالمية.. النفط تحت نيران التوترات

3

مع تصاعد الصراع في منطقة الشرق الأوسط تتزايد المخاوف العالمية بشأن التداعيات الاقتصادية لهذه التوترات على الاقتصاد الدولي .. فهذه المنطقة التي تعد محورا أساسيا لإنتاج وتصدير النفط والغاز ، باتت ساحة لصراعات جيوسياسية معقدة ، تساهم بشكل مباشر في تقلب أسعار الطاقة وتهديد استقرار الأسواق العالمية.

منذ عقود ارتبط الاقتصاد العالمي بحالة الاستقرار في الشرق الأوسط حيث تسيطر دول المنطقة على جزء كبير من احتياطات النفط العالمية. ومع ذلك فإن أي اضطراب في المنطقة سواء كان نتيجة نزاعات عسكرية أو أزمات سياسية يعيد توجيه الانتباه إلى هشاشة الأسواق العالمية أمام تقلبات الأسعار، والاعتماد المفرط على مصادر الطاقة التقليدية.

النفط بين الاضطراب والابتزاز الاقتصادي

أول ما يتأثر في ظل تصاعد الصراع هو قطاع النفط.العمود الفقري لاقتصادات الشرق الأوسط وأحد المحركات الرئيسية للاقتصاد العالمي .. فعندما تندلع التوترات في هذه المنطقة تتأثر فورا إمدادات النفط ، ويبدأ سعر البرميل في الارتفاع نتيجة المخاوف من تعطل الإنتاج أو التأثير على مسارات الشحن، خاصة في ممرات حيوية مثل مضيق هرمز.

على سبيل المثال عندما تصاعدت الأزمات في سوريا والعراق شهدت الأسواق تقلبات حادة في أسعار النفط حيث يعتبر المستثمرون هذه الأحداث تهديدا مباشرا لاستقرار المنطقة. ومع دخول قوى إقليمية ودولية في هذه الصراعات يصبح النفط أداة ابتزاز اقتصادية على الصعيد العالمي حيث تسعى كل جهة لتحقيق مصالحها الاقتصادية والسياسية حتى وإن كان ذلك على حساب استقرار الأسواق.

سلاسل التوريد العالمية تحت الضغط

التوترات في الشرق الأوسط لا تقتصر على تأثيرها في أسواق النفط فحسب ، بل تتسع دائرة الأضرار لتشمل سلاسل التوريد العالمية. العديد من الدول تعتمد على واردات المواد الخام من المنطقة، وكذلك على حركة الملاحة الدولية عبر البحر الأحمر والخليج العربي. أي اضطراب في هذه المناطق يؤثر بشكل مباشر على حركة الشحن والتجارة الدولية.

قد تواجه الشركات العالمية تحديات كبيرة في نقل السلع والمنتجات بسبب تعطل الموانئ أو فرض قيود أمنية على الشحنات. هذه التأثيرات قد تؤدي إلى تأخير عمليات الإنتاج وزيادة التكاليف التشغيلية، ما يُلقي بظلاله على المستهلكين النهائيين في جميع أنحاء العالم.

التضخم العالمي يعود بقوة

مع الارتفاع المستمر في أسعار النفط ، ترتفع تكلفة الوقود والنقل ، ما يؤدي إلى زيادة في أسعار السلع والخدمات. هذا الوضع يخلق بيئة تضخمية تؤثر على الاقتصادات المتقدمة والنامية على حد سواء. فالدول التي تعتمد بشكل كبير على واردات الطاقة من الشرق الأوسط تشهد ضغوطا تضخمية تؤثر على مستويات المعيشة وتقلص من قدرة الحكومات على التعامل مع الأزمات المالية.

ومع تصاعد الصراع يجد صناع السياسات في الدول الكبرى أنفسهم أمام تحديات معقدة ، حيث يجب عليهم اتخاذ إجراءات للحد من التضخم دون الإضرار بالنمو الاقتصادي. وهذا ما يدفعهم إلى إعادة التفكير في استراتيجيات الطاقة الخاصة بهم والبحث عن بدائل مستدامة لتقليل الاعتماد على النفط.

التوجه نحو الطاقة المتجددة: فرصة أم حاجة؟

في ظل هذه التقلبات بدأ الحديث يتزايد عن الحاجة إلى تسريع التحول نحو الطاقة المتجددة. فالدول الكبرى مثل الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بدأت بالفعل في تعزيز استثماراتها في الطاقة النظيفة، ولكن الصراع في الشرق الأوسط يجعل هذا التحول أكثر إلحاحًا.

ورغم أن الاعتماد الكامل على مصادر الطاقة المتجددة لا يزال بعيد المنال ، إلا أن الأزمة الأخيرة قد تكون دافعا لتسريع هذا التحول .. ومع ذلك فإن هذه التحولات قد تستغرق وقتا طويلا خاصة أن البنية التحتية للطاقة العالمية لا تزال تعتمد بشكل كبير على النفط والغاز.

المستقبل الاقتصاد العالمي في ظل الصراعات المستمرة

الصراع في الشرق الأوسط ليس حدثا جديدا لكنه اليوم يأخذ أبعادا أكثر تعقيدا وتأثيرا على الاقتصاد العالمي. مع كل تصاعد في التوترات يتضح أن الأسواق العالمية لا تزال هشة أمام تقلبات الطاقة وسلاسل التوريد. وبينما تسعى القوى العالمية لإيجاد حلول دبلوماسية فإن الواقع يؤكد أن استمرار الاعتماد على نفط الشرق الأوسط يمثل مخاطرة كبيرة.

الحاجة اليوم باتت واضحة لتعزيز التعاون الدولي من أجل تأمين إمدادات الطاقة وحماية سلاسل التوريد إضافة إلى تسريع التحول نحو مصادر الطاقة البديلة. ومع ذلك فإن تحقيق هذه الأهداف يتطلب استقرارا سياسيا في المنطقة وهو أمر لا يبدو أنه سيحدث قريبا.

الصراع في الشرق الأوسط سيظل دائما جزءا من الحسابات الاقتصادية العالمية وستبقى تداعياته تمثل تحديا كبيرا أمام استقرار الاقتصاد العالمي ونموه المستدام.