شحاتة زكريا يكتب: ترامب حين يقرر وحده!
في عالم السياسة لا شيء يأتي بمحض الصدفة ولا تصريح يخرج عبثًا بل كل كلمة محسوبة وكل موقف مدروس وكل قرار خيط في نسيج مخطط له بعناية. وحين يتحدث دونالد ترامب عن البترول العربي بهذه الثقة فهو لا يعبر عن رأي شخصي بقدر ما يكشف عن استراتيجية أمريكية جديدة في التعامل مع الشرق الأوسط.
منذ عقود كان البترول العربي ورقة الضغط الكبرى في المعادلة الدولية. مع كل أزمة عالمية كان العرب يلوحون بها، وكانت أمريكا تحسب لها ألف حساب. لكن اليوم يأتي ترامب ليعلن أن أمريكا ليست بحاجة إلى هذا البترول ، وكأنه بذلك يسحب آخر ورقة تفاوض قوية من يد الدول العربية.
لكن السؤال الأهم: هل حقا لم تعد أمريكا بحاجة إلى البترول العربي؟
الواقع أن الولايات المتحدة حققت طفرة في إنتاج النفط الصخري مما منحها استقلالية نسبية عن بترول الشرق الأوسط. ولكن هذه الاستقلالية لم تعنِ يوما أن أمريكا تخلت عن السيطرة على منابع الطاقة العالمية بل إنها زادت من إحكام قبضتها عليها ليس من أجل استهلاكها الداخلي فقط، بل للتحكم في أسعار السوق وإملاء الشروط على الدول الأخرى.
وهنا تأتي المفارقة: إذا كانت أمريكا ليست بحاجة إلى البترول العربي فلماذا لا تزال تتدخل في شؤون المنطقة؟ ولماذا تسعى لإعادة تشكيل خريطة القوى فيها؟
الإجابة ببساطة: لأن القضية ليست مجرد نفط.
إنها سياسة الهيمنة لعبة النفوذ وترتيب الأولويات بما يخدم المصالح الأمريكية أولًا وأخيرًا. فمن خلال تقليل أهمية البترول العربي يحاول ترامب ضرب الاقتصاديات التي تعتمد عليه كمصدر رئيسي للدخل.ليجعلها أكثر ارتهانًا للمساعدات والشروط الأمريكية.
لكن المفارقة الأكبر هي أن نفس ترامب الذي يعلن عدم حاجته للبترول العربي يطالب الدول العربية بضخ مليارات الدولارات في خطط إعادة الإعمار وكأنه يقول: “لا أريد بضاعتكم لكني أريد أموالكم!”
هذا التناقض ليس جديدا على السياسة الأمريكية لكنه اليوم أكثر وضوحًا وفجاجة. فأمريكا لم تكتفِ بدعم إسرائيل سياسيًا وعسكريًا بل أصبحت هي الطرف المباشر في المواجهة، تقود الحروب، وتملي الشروط، وتحدد مسار الصراعات.
في الماضي كانت إسرائيل تتحرك بدعم أمريكي أما اليوم فأمريكا هي التي تتحرك وتدفع بإسرائيل إلى الواجهة. وهنا تكمن خطورة المرحلة القادمة: نحن لا نواجه إسرائيل فقط بل نواجه واشنطن بكل ثقلها.
السؤال الآن: كيف يجب أن يكون الرد العربي؟
الاستسلام لم يعد خيارًا والمراهنة على التفاهمات المؤقتة لم تعد تجدي. المطلوب اليوم موقف موحد ، ليس فقط سياسيًا، بل اقتصاديًا أيضًا. إذا كان ترامب يظن أن ورقة النفط قد انتهت فهناك أوراق أخرى يمكن استخدامها ، بدءًا من إعادة تقييم الاستثمارات العربية في أمريكا وصولا إلى البحث عن بدائل اقتصادية لا تجعل المنطقة رهينة لسياسات البيت الأبيض.
نحن أمام معركة طويلة لكنها ليست معركة سلاح فقط بل معركة بقاء وهوية. والخطوة الأولى فيها أن يدرك العرب أن من يملك القوة الحقيقية ليس بالضرورة من يملك السلاح الأقوى، بل من يملك القرار الأذكى
