شحاتة زكريا يكتب : ترامب وهاريس: مواجهة حاسمة تكشف تباين الرؤى لمستقبل أمريكا
في المناظرة الرئاسية التي جرت في فيلادلفيا وجد الأمريكيون أنفسهم أمام وجهين سياسيين يتباينان في الرؤى والمبادئ .. فقد جاءت هذه المواجهة بين المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس والرئيس السابق دونالد ترامب لتكشف عن صراع جوهري حول القيم الأساسية التي ستحكم مسار الولايات المتحدة خلال السنوات القادمة.
الإجهاض والحقوق الإنجابية: بين الحرية الشخصية والسيطرة الحكومية
أحد أبرز القضايا التي هيمنت على المناظرة كانت قضية الإجهاض .. هنا نجد أن هاريس قد طرحت موقفا واضحا بالدفاع عن الحقوق الإنجابية مشددة على أن قرار الإجهاض يجب أن يكون حقا شخصيا لا تمليه الدولة. بينما أصر ترامب على أن الإجهاض بعد فترة معينة يمثل قتلا متعمدا، داعيا إلى منح الولايات حرية تنظيم هذه القضية. هذا الجدل يكشف عن الفارق الجوهري بين رؤية تقدمية تسعى إلى الحفاظ على حرية الفرد ، ورؤية محافظة تدعو إلى تقنين أكثر صرامة بناء على القيم الدينية.
الاقتصاد: بين الازدهار وعدالة الفرص
على الصعيد الاقتصادي تبادلت هاريس وترامب الاتهامات حول من يمتلك الخطة الأكثر فاعلية لإعادة بناء الاقتصاد الأمريكي. هاريس تحدثت عن “اقتصاد الفرص” القائم على دعم الفئات المتوسطة والفقيرة ، بينما استمر ترامب في تبني فلسفته الاقتصادية التي تعتمد على تخفيض الضرائب على الأثرياء ، باعتبار ذلك محفزا للنمو الاقتصادي .. وبينما يروج ترامب لسياسة الرسوم الجمركية كحل لمشاكل التجارة الخارجية نجد أن هذه السياسات أثبتت في الماضي تأثيرا محدودًا على تحسين حياة المواطن العادي.
الهجرة والأمن القومي: أوجه متعددة لواقع معقد
تجدد الحديث عن الهجرة في المناظرة ، حيث استمر ترامب في توجيه الاتهامات لإدارة بايدن بأنها سمحت بتدفق المهاجرين بشكل غير قانوني ، متعهدا بإجراءات أكثر صرامة في حال عودته إلى السلطة. في المقابل شددت هاريس على أهمية إيجاد حلول متوازنة تحقق أمن الحدود وتحمي حقوق المهاجرين في نفس الوقت. هذه القضية تعكس كيف يمكن أن تؤدي المواقف المتشددة إلى تفاقم الانقسامات الاجتماعية في البلاد ، بينما يحتاج المجتمع الأمريكي إلى نقاش أكثر عمقا حول كيفية التعامل مع قضايا الهجرة بإنسانية وعدالة.
السياسة الخارجية: بين إسرائيل وأوكرانيا
فيما يتعلق بالسياسة الخارجية ، كان للنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي دور بارز في المناظرة. دعت هاريس إلى تحقيق السلام عبر حل الدولتين ، مؤكدة على حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. أما ترامب فقد حاول تصوير هاريس كمعادية لإسرائيل ، وهو ما يعتبر انحرافا عن الحقائق ، إذ أن الديمقراطيين ومن بينهم هاريس، يسعون إلى إيجاد توازن بين دعم إسرائيل وتحقيق العدالة للفلسطينيين. في ملف أوكرانيا استمرت هاريس في دعم المقاومة الأوكرانية ضد الغزو الروسي في حين أكد ترامب أنه يريد إنهاء الحرب سريعا بالتفاوض ، وهو ما يعكس اختلافا في الأولويات بين القوة الدبلوماسية والسياسات الواقعية.
ومن خلال متابعتي لهذا النقاش ، يمكنني أن أقول إن هذه المناظرة لم تكن مجرد مواجهة كلامية ، بل كانت منصة لتوضيح تباين الرؤى بين الطرفين. أعتقد أن المستقبل الأمريكي بحاجة إلى رؤية تقدمية تأخذ في الاعتبار ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية وهو ما يبدو أن هاريس تتبناه بشكل أكثر وضوحا .. ترامب من جانبه، يستند إلى خبرته السابقة في الحكم ويعرض سياسات يعرفها الجميع
لكن السؤال الذي يطرحه الأمريكيون الآن هو: هل ستفي تلك السياسات بالغرض في مواجهة تحديات اليوم؟
في نهاية المطاف تبقى الكلمة للشعب الأمريكي.
شحاته زكريا
باحث في علوم السياسة والاقتصاد
متخصص في تحليل المشهد السياسي