شحاتة زكريا يكتب: حين تصبح غزة هي البوصلة.. الشرق الأوسط على مائدة الكبار دون أن يجلس!

1

حين تصبح غزة هي البوصلة.. الشرق الأوسط على مائدة الكبار دون أن يجلس

في اللحظة التي تنهمر فيها القنابل فوق رؤوس الأطفال تُرسم خرائط جديدة. وعلى أنقاض البيوت في غزة يُعاد ترتيب أولويات العالم. هذه ليست مبالغة أدبية ولا رومانسية سياسية. هذه حقيقة فجة لكنها مُغلفة بالبيانات ومُعمّدة بدماء الأبرياء.

غزة اليوم ليست مجرد عنوان في نشرة الأخبار ولا مجرد جُرح فلسطيني قديم يتجدد. إنها – شئنا أم أبينا – أصبحت مركزا لعقيدة الهيمنة الحديثة. من لا يفهم غزة لن يفهم الشرق الأوسط ومن لا يفك شيفرة الصراع فيها لن يقرأ لعبة الكبار.

أمريكا التي كانت تقرأ الخرائط بالبترول بدأت تقرأها الآن بالمعابر.
الصين التي تبني نفوذها بالسكك الحديدية والبنية التحتية أصبحت ترى في غزة “شقا استراتيجيا” في قلب بحرها الصامت.
وإسرائيل التي تتقن اللعب تحت الطاولة تُلوّح بمشروع “ريفيرا غزة” كواجهة للتهجير والتطبيع وكسيناريو لا يهدف إلى إعادة الإعمار… بل إلى إعادة التكوين.

السؤال الحقيقي لم يعد: من مع غزة ومن ضدها؟
بل: من يستخدم غزة ولأجل ماذا؟

المعركة لم تعد فقط على الحدود بل على وظيفة غزة السياسية، وعلى تحويل الألم الفلسطيني إلى ورقة تفاوض تُقايض فيها واشنطن على النفوذ وتُقايض بها إسرائيل على الأمن وتُقايض بها الصين على النفاذ عبر الموانئ.

الكل يريد أن يُحوّل غزة من قضية إلى مشروع.
مشروع أمن. مشروع استثمار. مشروع عزل. مشروع تمهيد.
لكن لم يسأل أحد: هل يملك الفلسطينيون حق الرفض؟ أم أن كل من يملك القنابل بات يملك القرار؟

التحول الأخطر ليس في أن تُقصف غزة هذا صار عاديا
التحول الأخطر أن تصبح غزة ورقة في “بازار إقليمي” وأن تُدار دماء الناس كأرقام في جداول تفاوض دولي.
أن تُمَسّ كرامة شعب ليُعاد ترتيب تمركز القوات في البحر الأحمر.
أن يُصاغ خطاب “إعادة الإعمار” بلسان رجل أعمال أمريكي لا يعرف الفرق بين رمال غزة وشواطئ هاواي.

والأخطر من كل ذلك أن يُصدّق البعض أن “نهاية الحرب” تعني بداية السلام.
بينما هي – ببساطة – تجميد مؤقت للرصاص ريثما يكتمل الطمع.

ولأن السياسة لم تعد تُصاغ في غرف الخارجية ، بل في غرف الخوادم والصفقات ، فإن الصمت العربي لم يعد ناتجا عن العجز بل أحيانا عن حسابات السوق.
من يُمسك بالأرقام يصمت.
ومن ينتظر التوقيع لا يرفع الصوت.
لكن سيأتي يوم… تُصبح فيه كل صفقة على أنقاض غزة لعنة سياسية تُطارد أصحابها.

غزة لم تعد بحاجة إلى شفقة بل إلى فهم.
ليست قنبلة إنسانية مؤقتة ، بل مؤشر استراتيجي دائم.
ومن لا يفهم لماذا تقصف ، لن يفهم متى تتوقف.
ومن لا يربط بين ريفيرا غزة وحزام النفط في المتوسط وحرب الممرات في البحر الأحمر ، وحضور الصين في المنطقة… فهو يقرأ الأحداث كأنها أخبار متفرقة لا خريطة واحدة!

في النهاية لا أحد يمنح غزة دورا مجانيا.
لكن السؤال الأصعب ليس عن الدور ، بل عن الهوية.

هل تظل غزة هي الجرح الذي يذكر العرب بوجودهم؟
أم تصبح الطُعم الذي يبتلعهم في سوق الهيمنة؟