شحاتة زكريا يكتب : سوريا.. بين الأطماع الإقليمية وضياع الهوية الوطنية
ما الذي تبقى من سوريا اليوم؟ سؤال يدفع أي مراقب عربي للتوقف ليس فقط في محاولة للبحث عن إجابة ، بل في تأمل المشهد السوري ككل الذي أضحى يعكس مأساة مركبة لبلد كان يوما ما القلب النابض للعروبة، وقبلة الثقافة، وجسرا للتواصل الحضاري بين الشرق والغرب.
إن الحديث عن سوريا لم يعد يُختزل في مسار سياسي عالق بين أطراف متنازعة ، ولا في نزوح ملايين السوريين إلى شتى بقاع الأرض ، بل هو حالة معقدة من تشابك الأزمات الداخلية والخارجية التي تركت الأرض السورية نهبا لصراعات القوى الكبرى والإقليمية. فالنظام الذي كان من المفترض أن يُمثل الدولة ، تحول إلى أحد أضلاع الأزمة بتشبثه بالسلطة رغم التهالك الكامل للبنية السياسية والاقتصادية. وفي الوقت ذاته أفسحت الحرب المجال لأطراف أخرى – من دول وجماعات – لاستغلال الوضع والتغلغل داخل الجسد السوري المريض.
لقد أضحت سوريا “ورقة تفاوض” بين دول كبرى لا تُلقي بالا لمصير شعبها. فالولايات المتحدة، وروسيا، وإيران، وتركيا، وإسرائيل كل منها يتعامل مع الأرض السورية وفقا لحساباته الخاصة. إسرائيل تحديدا لم تخف أطماعها أبدا ، فهي تتحرك اليوم بحذر اللص الذي وجد ضحية ضعيفة؛ تتسلل إلى الأراضي السورية تحت ذرائع واهية تقصف هنا وتخترق هناك بينما العرب يكتفون ببيانات الإدانة والشجب.
الأخطر من ذلك هو أن الصراع السوري لم يعد صراعا على السلطة فقط بل أصبح صراع هوية ووجود. فالأرض التي عُرفت بتنوعها الإثني والديني تواجه اليوم خطر التقسيم تحت مسميات ظاهرها حماية الأقليات، وباطنها إعادة رسم خريطة المنطقة خدمة لأجندات خارجية. وبالتوازي مع ذلك تمددت التنظيمات المتطرفة كهيئة تحرير الشام وغيرها التي وجدت في الفراغ السياسي تربة خصبة للسيطرة وبسط نفوذها على حساب مستقبل الدولة السورية.
لكن هل فكرنا ولو للحظة، في سوريا بعد الحرب؟ كيف ستعود تلك الدولة المثخنة بالجراح إلى الحياة من جديد؟ كيف سيعود ملايين اللاجئين إلى بيوتهم التي تحولت إلى أنقاض؟ وهل هناك ما يكفي من النوايا السياسية الصادقة لإعادة بناء سوريا دولةً موحدة لكل السوريين بعيدًا عن حسابات الخارج وأطماع الداخل؟
إن سقوط الدولة السورية لم يكن مجرد صدفة بل كان نتيجة تراكم طويل من الاستبداد وغياب العدالة الاجتماعية، والتخلي عن المشروع الوطني لصالح مشاريع طائفية ضيقة. واليوم، تحتاج سوريا إلى مشروع وطني جامع يُعيد اللحمة لأبناء الوطن الواحد ويعيد رسم دورها التاريخي كدولة مركزية في المنطقة.
لا يمكننا كعرب أن نغسل أيدينا من الدم السوري الذي يراق كل يوم فالتراخي العربي على مدار سنوات الأزمة ساهم بشكل مباشر في تمكين الأطراف الخارجية من العبث بمستقبل سوريا. الحل يبدأ من الداخل السوري لكنه بحاجة إلى مظلة عربية حقيقية تدعم هذا الحل بعيدًا عن الحسابات الضيقة.
إن سوريا ليست مجرد بقعة جغرافية، إنها تاريخ وثقافة وهوية عربية يجب أن نحميها. وإن ضياع سوريا يعني ضياع جزء من كياننا العربي الذي ما زال رغم كل شيء قادرا على الصمود إن وجد الإرادة الحقيقية.