شحاتة زكريا يكتب : عام 2025 .. عالم على حافة التحول الكبير
مع بداية عام 2025 يبدو أن النظام العالمي يخطو نحو تحولات عميقة تستمد جذورها من تراكمات السنوات السابقة. فلا يمكن فهم ما سنشهده دون التطرق إلى الديناميات التي شكلت المشهد العالمي في الأعوام الماضية. من صراعات القوة الكبرى إلى التفاعلات الإقليمية المتوترة تبدو الأحداث وكأنها تكتب فصلا جديدا في تاريخ السياسة الدولية.
ما يميز هذا العام تحديدا هو وصول إدارة أمريكية جديدة تحمل في طياتها رؤية مختلفة للعالم ، تتجسد في رئيس براغماتي يرى الصراعات من زاوية “الصفقات الكبرى”. هذا النهج الذي عكسته محاولات سابقة لتسوية أزمات دولية كالصراع مع كوريا الشمالية أو الانسحاب من أفغانستان يفتح الباب أمام احتمالات جديدة لإعادة ترتيب المشهد العالمي. لكن ما يُلفت الانتباه أكثر هو الأجندة التي يبدو أنها ستُحدد أولويات واشنطن وفي مقدمتها إعادة ترسيخ الهيمنة الأمريكية وسط عالم يشهد تغيرا متسارعا في موازين القوى.
الصراع مع الصين يظل محور الاهتمام الرئيسي للإدارة الأمريكية. إذ بات واضحا أن الولايات المتحدة تنظر إلى النظام العالمي كحلبة تُحسم فيها المعركة النهائية للسيطرة حيث تسعى واشنطن لتأخير الصعود الصيني من خلال أدوات متنوعة تشمل توسيع التحالفات الاستراتيجية وتسييس التكنولوجيا وتسريع سباق التسلح. هذا التوجه لا يعني تجاهل ملفات أخرى بل على العكس سيتم توظيفها لخدمة المعركة الأكبر. فالعمل على إنهاء الحرب الروسية-الأوكرانية أو التهدئة مع كوريا الشمالية لن يكون إلا وسيلة لإضعاف شركاء الصين وتوجيه الأنظار نحو مواجهة أكثر وضوحا بين واشنطن وبكين.
إقليميا يظل الشرق الأوسط محورا أساسيا في التفاعلات الدولية خاصة في ضوء التحولات الكبيرة التي شهدها بعد أحداث أكتوبر 2023. انهيار نظام الأسد التصعيد الإسرائيلي المتعدد الجبهات وارتدادات العدوان على غزة كل ذلك أعاد تشكيل المشهد الإقليمي ، وفتح الباب أمام تساؤلات حول شكل المستقبل الذي ينتظر المنطقة. هنا يبدو أن الإدارة الأمريكية قد تلجأ إلى طرح أفكار راديكالية لإعادة ترتيب الإقليم بما يخدم رؤيتها الاستراتيجية لكن نجاح هذه الأفكار سيتوقف على مدى جاهزية الأطراف الإقليمية لقبولها.
وسط هذه التحديات يبرز تساؤل جوهري: هل العالم مستعد لاستيعاب هذا الكم من التحولات؟ المؤشرات الحالية توحي بأن النظام العالمي يمر بمرحلة حاسمة حيث يُعاد تعريف مفاهيم القوة والهيمنة. لكن ما يجعل 2025 عاما استثنائيا ليس فقط ما سيشهده من أحداث بل ما يمثله كحلقة وصل بين الماضي والمستقبل. هو عام سيتحدد فيه شكل الصراعات ومسارات التحالفات وربما الملامح النهائية للنظام العالمي الجديد.
في النهاية يبدو أن العالم أمام مفترق طرق حيث تتسارع الأحداث بشكل يجعل من الصعب التنبؤ بما هو قادم بدقة. ومع ذلك يبقى الثابت الوحيد هو أن 2025 سيحمل معه تحولات كبيرة ستترك بصمتها على السياسة الدولية لعقود قادمة.