شحاتة زكريا يكتب :على أعتاب البيت الأبيض .. معركة الرموز والهوية الأمريكية
تعيش الولايات المتحدة الأمريكية لحظات فارقة في تاريخها السياسي الحديث حيث تقترب من محطة انتخابية جديدة قد تشكل مسارها لعقود قادمة .. ليست هذه الانتخابات مجرد مواجهة بين كامالا هاريس التي تمثل جيلا جديدا يسعى للتغيير ودونالد ترامب ، الذي يمثل الحنين لحقبة تتوق لعودة قوة قديمة الصياغة بل هي انعكاس لصراع أعمق بكثير بين رؤيتين متعارضتين لمستقبل أمريكا لهويتها ولأولوياتها في العالم المعاصر.
في هذا السباق نجد كامالا هاريس تحمل مشعل التعددية والعدالة الاجتماعية ، حيث تقدم نموذجا يحتضن التنوع العرقي والثقافي للأمة ، وهو تنوع يغذيه انخراط جيل جديد من الشباب الأمريكي. هاريس ليست فقط امرأة من أصول مختلطة تسعى لكسر الحواجز ، بل هي تجسد توجهات تحررية ترى في المستقبل إمكانية تحقيق العدالة للجميع دون تمييز .. هذه الرؤية تكسبها دعما واسعا من فئات الشباب والأقليات والمجتمعات التي تسعى إلى المساواة وإلغاء الفوارق.
على الجانب الآخر يأتي دونالد ترامب مدججا بخطاب يعيد إلى الأذهان حقبة من القوة الصارمة التي يعتبرها أنصاره أفضل مراحل الولايات المتحدة. ترامب يراهن على شعور قطاع من الشعب بالحنين إلى “أمريكا القديمة”، التي تتقدم فيها المصالح الوطنية والأمن الداخلي فوق كل اعتبار. وبأسلوبه الصريح والواثق يجذب ترامب قاعدة جماهيرية واسعة تعتبره رمزا للثبات والقوة في وجه التغيرات المتسارعة. هؤلاء الناخبون يرون فيه القائد الذي يعيد للأمة هويتها القومية الراسخة ، دون ضغوط التغيير الاجتماعي السريع.
ومع احتدام السباق لم يعد الحديث يدور حول برامج اقتصادية وسياسية فحسب بل تعدى ذلك ليصل إلى لب الهوية الأمريكية نفسها. هذا الصراع الحاد يعبر عن استقطاب اجتماعي عميق حيث أصبح لكل طرف من الأطراف قاعدة جماهيرية تتبنى رؤيته وتهوى طريقته في معالجة القضايا الحاسمة. فبينما ينظر أنصار هاريس إلى المستقبل باعتباره مساحة للتطوير والتجديد الشامل ، يرون في انتخابها تمثيلا لحلم التعددية والمساواة يرغب أنصار ترامب في الحفاظ على ما يرونه “النقاء الأمريكي” وتفادي تأثير العولمة السريع على ثقافتهم واقتصادهم.
التحدي الأكبر الذي يواجه كل من هاريس وترامب ليس فقط كسب الأصوات بل تحقيق مصداقية عميقة لدى الناخب الأمريكي المتردد. ذلك الناخب الذي يراقب بخوف وأمل معا وهو يرى في كل طرف مرآة لرغباته العميقة أو مخاوفه المستمرة. فهل ستختار أمريكا التغيير والانفتاح مع كامالا هاريس أم ستعود إلى جذورها المحافظة مع دونالد ترامب؟
الأمر ليس بيد الأحزاب فقط ، فهناك قوى أخرى تلعب أدوارا رئيسية في هذا المشهد ، بدءا من وسائل الإعلام التي تعمل على تشكيل الرأي العام مرورا بالتحديات الاقتصادية التي تفرض نفسها على السياسة ، وصولا إلى قضايا البيئة والعدالة الاجتماعية التي تتصدر أجندة النقاش. هذه القضايا العالقة ستحدد وجهة النظر حول أي مرشح هو الأنسب لتحقيق استقرار وازدهار الأمة.
في نهاية المطاف ستكشف الأيام القادمة ما إذا كانت الولايات المتحدة ستخطو نحو حقبة جديدة من التنوع والتجديد أم ستعود إلى مسارها التقليدي القائم على القيم المحافظة. وفي كلتا الحالتين يبقى الشعب الأمريكي أمام اختبار صعب لاختيار مسار يليق بتاريخهم الكبير وطموحاتهم المستقبلية.