شحاتة زكريا يكتب: على برميل بارود.. هل يكتب الشرق الأوسط فصله الأخطر؟
لا يحتاج المرء إلى كثير من التأمل ليدرك أن المنطقة تسير فوق خيط مشدود وأن كل شرارة جديدة في غزة تكاد تتحول إلى نار تلتهم ما حولها. فآلة الحرب الإسرائيلية لم تعد مجرد معركة ضد شعب أعزل بل صارت ورشة مفتوحة لإعادة صياغة خرائط وخلق أزمات ممتدة تتجاوز حدود القطاع لتطال كل ركن من أركان الشرق الأوسط.
المعضلة لم تعد في غزة وحدها بل في التداعيات التي تتساقط كأحجار الدومينو: نزيف إنساني مستمر محاولات لدفع الفلسطينيين إلى التهجير القسري حملات ممنهجة لتشويه دور مصر والدول العربية وضغوط دولية لفرض صيغ سياسية لا تخدم سوى أجندة تل أبيب. إن ما يُراد تمريره ليس وقف إطلاق النار بل هندسة جديدة للواقع على الأرض عنوانها: غزة بلا روح .
الخطورة أن إسرائيل تلعب على حافة الانفجار الإقليمي. هي تعرف أن مصر لا يمكن أن تقبل بدخول سيناريو الوطن البديل ، لكنها تواصل المناورات لإرباك القاهرة وإظهارها كأنها مسؤولة عن انسداد الأفق. بالتوازي تتحرك واشنطن وبعض العواصم الأوروبية لمحاولة تشكيل إدارة انتقالية لغزة ما بعد حماس ، وكأن الفلسطينيين مجرد أرقام في معادلة تُرسم بعيدا عنهم. تلك الصياغة لو قُدّر لها أن تمر فستفتح أبواب جهنم أمام الجميع لأنها ستخلق فراغا تستغله التنظيمات المتطرفة وشبكات التهريب لتوسيع نفوذها.
أكثر ما يثير القلق أن الحرب بالنسبة لنتنياهو ليست مجرد وسيلة للسيطرة على غزة بل ورقة أخيرة لإنقاذ مستقبله السياسي. الرجل يراهن على أن الدم وحده كفيل بإطالة عمره في الحكم حتى ولو كان الثمن تفجير الشرق الأوسط كله. وحين يقود طموح شخصي بهذا القدر مصير ملايين البشر فإن العالم يصبح مهددا لا من قصف الطائرات فقط بل من غياب العقل والضمير.
الشرق الأوسط اليوم أشبه ببرميل بارود؛ الضغوط الاقتصادية، الفوضى الإقليمية، حالة الانكشاف الأمني، كلها عناصر تجعل أي تصعيد في غزة بداية لسلسلة انفجارات. ولعل أخطر ما في المشهد أن العالم الغربي يتعامل مع المأساة كأنها مجرد تفصيل في معركة انتخابية داخل إسرائيل أو ورقة مساومة على طاولة واشنطن غير مدرك أن ما يتجاهله اليوم قد يتحول غدا إلى ارتداد عنيف على مصالحه ذاتها.
ومع ذلك يبقى هناك خيط من الأمل: صمود الشعب الفلسطيني الذي أثبت أنه لا يُهزم بالإبادة ولا بالحصار، والدور المصري الذي يواجه كل الضغوط بحكمة وصلابة، ووعي عربي بدأ يستعيد إدراكه بأن ما يجري في غزة ليس حدثا عابرا بل فصلا من معركة وجود.
إن ما يحتاجه الشرق الأوسط اليوم ليس خططا هندسية لتقسيم الأرض أو إدارة غزة عن بعد بل وقفة حقيقية تعترف بالحق الفلسطيني وتعيد الاعتبار للعدالة قبل أن تلتهم النيران الجميع. وإلا فإن السؤال لن يكون كيف تنتهي الحرب في غزة؟ بل “كيف سينجو الشرق الأوسط من الفوضى التي تُصنع أمام أعيننا؟.
