شحاتة زكريا يكتب :غزة بين فخ نتنياهو وصمت العالم .. نكبة مستمرة أم مقاومة لا تُكسر؟
غزة تلك البقعة الصغيرة التي صارت عنوانا للمقاومة والصمود ، تقف اليوم في مواجهة واحدة من أعنف موجات العدوان الإسرائيلي. لم تكن هذه الحرب مفاجئة ولم يكن القتل والدمار أمرا جديدا لكنها تأتي في سياق أشد تعقيدا حيث تتداخل فيها الحسابات السياسية الإسرائيلية والصمت الدولي والتخاذل العربي ليجد الفلسطينيون أنفسهم مرة أخرى في عين العاصفة وحدهم بلا نصير.
منذ اللحظة الأولى للعدوان كانت الصورة واضحة: طائرات الاحتلال تمطر غزة بوابل من القنابل المباني تنهار على رؤوس سكانها الأطفال يخرجون من تحت الأنقاض والمجازر ترتكب تحت غطاء “الدفاع عن النفس”. الإعلام الغربي، كعادته ينحاز للرواية الإسرائيلية متجاهلا حقيقة الاحتلال والجرائم التي تُرتكب بشكل ممنهج ضد الفلسطينيين.
نتنياهو الذي يقف على حافة الهاوية سياسيًا وجد في هذه الحرب طوق نجاة. فالرجل الذي يواجه قضايا فساد تهدد مستقبله وأزمة داخلية تجعل بقاءه في السلطة محل شك لم يجد وسيلة أفضل من تصدير أزماته عبر إشعال الجبهة مع غزة. في كل مرة يشعر فيها بالتهديد يشعل حربًا لأن الدم الفلسطيني دائما ما يكون وسيلته للبقاء. لا يهم عدد الضحايا ولا حجم الدمار ، فالمهم أن يظل هو في السلطة ولو على حساب آلاف الأرواح.
ورغم كل هذا يبقى الموقف الدولي صادمًا. بيانات الإدانة تصدر بنفس العبارات المكررة والدول الكبرى تكتفي بالدعوة إلى “ضبط النفس”، وكأن الطرفين متساويان وكأن القاتل لا يزال يتمتع بحصانة لا تهتز مهما فعل. أما في العواصم العربية فالصمت هو اللغة السائدة حيث أصبح الحديث عن القضية الفلسطينية عبئا بعد أن أصبحت المصالح والعلاقات مع الاحتلال أولى من نصرة الدماء التي تُسفك في غزة.
لكن غزة رغم كل شيء لا تموت. فمن وسط الركام يخرج الأطفال يبتسمون ، وكأنهم يعلنون أن الموت لا يرعبهم. تحت القصف يظل الناس يبحثون عن الحياة يتشبثون بها يعلمون أن الاحتلال قد يهدم البيوت ، لكنه لن يهدم الإرادة. منذ عقود وغزة تتعرض للحصار والعدوان ، لكنها في كل مرة تنهض كأنها طائر العنقاء الذي يولد من جديد ليؤكد أن الأرض لا تموت وأن المقاومة ليست مجرد فعل ، بل هوية تتوارثها الأجيال.
هذه الحرب قد تنتهي كما انتهت سابقاتها لكن جذور الصراع ستظل قائمة لأن القضية لم تكن يوما قضية صواريخ تُطلق أو هدنة تُعقد. القضية أكبر من ذلك أعمق من مجرد عدوان عسكري ينتهي بوقف إطلاق النار. ما يحدث في غزة ليس سوى فصل جديد من فصول الاحتلال ومشهد آخر في النكبة المستمرة منذ أكثر من سبعين عاما. لا شيء سيتغير ما دام الاحتلال قائمًا ، وما دام العالم يفضل الصمت على المواجهة وما دامت بعض العواصم العربية ترى في التطبيع مع القاتل حلًا بدلًا من مواجهته.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: إلى متى ستظل غزة وحدها في هذه المعركة؟ إلى متى سيبقى الفلسطينيون يدفعون وحدهم ثمن الاحتلال بينما العالم يتفرج؟ إلى متى سنكتفي نحن بمتابعة الأخبار وكتابة المنشورات الغاضبة دون أن يتحول هذا الغضب إلى فعل حقيقي؟
غزة ليست بحاجة إلى دموع العالم ولا إلى بيانات الإدانة الفارغة. إنها بحاجة إلى موقف إلى تحرك إلى دعم حقيقي يكسر هذه الحلقة المفرغة من العدوان والصمت. وإلا فإن التاريخ سيسجل أننا بصمتنا كنا شركاء في الجريمة.