شحاتة زكريا يكتب: غزة .. صمود في وجه الطغيان

1

في قلب العالم الذي يعج بالصراعات والتقلبات تبقى غزة شاهدا على صمود لا يعرف الانكسار. هذا الشريط الضيق من الأرض المحاصر منذ سنوات، يتحدى كل محاولات الإبادة والتهميش. في كل زاوية من زواياه تجد حكاية مقاومة وإصرار على الحياة رغم الموت المتربص بكل شيء. غزة ليست مجرد مكان إنها رمز يتجاوز حدود الجغرافيا ويخترق أسوار السياسة ليحكي قصة شعب آمن بحقه في الحياة رغم الحصار والجراح.

المعادلة التي تحكم غزة تختلف عن أي مكان آخر. إنها معادلة التحدي المستمر فعلى الرغم من تفوق الاحتلال الإسرائيلي في العتاد العسكري والقوة التكنولوجية ، تظل المقاومة الفلسطينية هناك قادرة على إرباك الحسابات. العمليات النوعية التي تنفذها المقاومة أصبحت جزءا من يوميات الصراع وصواريخها التي كانت تُعتبر يوما رمزية باتت الآن تصيب العمق الإسرائيلي لتؤكد أن القوة ليست وحدها معيار الحسم.

لكن القصة في غزة ليست مجرد صراع بين طرفين. إنها اختبار لإرادة أمة بأكملها. كيف لشعب مُحاصر أن يحول كل زاوية إلى ساحة مقاومة؟ كيف للأحياء التي تنهار تحت القصف أن تعود بعد يوم لتحتضن أطفالا يلعبون؟ في غزة يختلط الألم بالأمل والموت بالحياة، في مشهد قلّما تجد له مثيلا في التاريخ.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يقف عاجزا أمام هذا المشهد. الخيارات أمامه كلها مرّة. الحرب التي أرادها وسيلة لحسم الصراع تحولت إلى مأزق جديد يهدد مستقبله السياسي. الفشل في القضاء على المقاومة وضعه أمام تساؤل أكبر: ماذا بعد؟ تسليم غزة للسلطة الفلسطينية أمر غير ممكن في ظل الانقسامات الداخلية وحكمها عسكريا سيكون مغامرة مكلفة قد تفوق نتائجها أي مكاسب محتملة.

على الجانب الآخر المقاومة في غزة ليست مجرد فعل عسكري.بل هي رسالة. كل بيت مدمر هو شهادة على الظلم، وكل شهيد هو صوت ينادي العالم بأسره. غزة لا تقاتل فقط دفاعا عن حقها ، بل تُعيد إحياء قضية فلسطين التي حاول الكثيرون طمسها. وسط كل هذا الدمار تبقى غزة مشتعلة بالأمل تمثل ضميرا إنسانيا حيا في مواجهة الصمت الدولي المخزي.

الصراع في غزة ليس مجرد فصل جديد في التاريخ الفلسطيني.بل هو نقطة تحول. إسرائيل التي طالما اعتقدت أن الحل العسكري هو السبيل الوحيد تجد نفسها اليوم أمام شعب لا يمكن هزيمته بالإبادة. الشعب الذي يعيش في غزة يحمل في داخله روحا لا تُكسر ورؤية للمستقبل لا يستطيع الاحتلال محوها.

العالم ينظر اليوم إلى غزة بعيون مختلفة. لم تعد تلك البقعة الصغيرة مجرد عنوان في نشرات الأخبار بل أصبحت أيقونة للصمود. مشاهد الدمار تثير التعاطف عالميا ولكنها أيضا تُحرج القوى الكبرى التي تغض الطرف عن معاناة شعب بأكمله. المقاومة في غزة لا تدافع فقط عن الأرض بل تسطر معادلات جديدة وتجعل من كل انتصار صغير حجرًا يُبنى عليه المستقبل.

غزة تعلم العالم درسا في الكرامة. وسط الحصار والجوع والقصف تجد أطفالا يبتسمون، وشبابا يحلمون، وشيوخا يروون حكايات الصمود للأجيال القادمة. في كل يوم جديد تثبت غزة أن الاحتلال مهما بلغ جبروته لا يمكنه كسر إرادة شعب يؤمن بحقه في الحياة. غزة ليست مجرد مدينة. إنها فكرة. فكرة تقول إن الحرية تستحق أن تُنتزع وإن الحق لا يموت مهما تكالبت عليه القوى.

ربما تكون غزة اليوم في قلب العاصفة لكنها أيضا تقود العالم نحو الحقيقة. الحقيقة التي تقول إن الشعوب المقهورة تستطيع أن تنتصر ، وإن الاحتلال مهما طال مصيره إلى زوال. غزة لا تحارب فقط من أجل حاضرها ، بل من أجل مستقبل مشرق لكل من آمن بالحرية والكرامة الإنسانية.