شحاتة زكريا يكتب : غزة.. هل تحتاج لهاريس أم ترامب أم تحتاج لنا نحن؟

2

في كل لحظة وعبر مساحات الجغرافيا المتنوعة ، يبقى قطاع غزة وأهله محور اهتمام العالم حيث يتصدر السؤال الدائم: “من الأفضل لغزة ، هاريس أم ترامب؟”. لكن هل نطرح السؤال الصحيح؟ هل نسأل عما تحتاجه غزة حقا بعيدا عن اختيارات السياسة الأمريكية؟

لنُعِد الأمور إلى نصابها: غزة جزء من المنطقة العربية ، قلب الشرق الأوسط، وإسرائيل كيانٌ غريب زُرع في هذه البقعة بغير تاريخ أو امتداد ثقافي. لذا من الطبيعي أن نجد الولايات المتحدة والغرب يدعمان إسرائيل بشكل مستمر، لأنهم يعتبرونها حليفة لهم في المنطقة ، غير عابئين بحقوق السكان الأصليين أو بمآسيهم. إن استمرار هذا الدعم يجسد عقلية استعمارية تجاوزها العالم ، ولكنها تُعاش يوميا في شوارع غزة المدمرة.

التمييز بين هاريس وترامب ، بين الحزب الديمقراطي وحماره وشعاره، وبين الحزب الجمهوري وفيله الضخم، يكاد يكون شبه معدوم حين يتعلق الأمر بمصلحة إسرائيل. كلاهما يضع حياة الإسرائيليين على قمة أولوياتهما، ويتعاملان مع موضوع الرهائن بنبرة حازمة تنبع من الثقافة الأمريكية التي ترفض رفضا قاطعا فكرة احتجاز المدنيين.

ومع اشتداد التنافس بين هاريس وترامب حول موقفهما من غزة قد نرى خلال الأيام المقبلة مناورات وصفقات تتخذ أشكالا مختلفة. ربما يُكشف لنا في المستقبل القريب عن صفقة ما بين ترامب ونتنياهو تعيق تسوية ملف الرهائن لصالح مكاسب سياسية داخلية، ليُستخدم مصير هؤلاء كأداة في صراع البيت الأبيض.

لكن السؤال الحقيقي ليس “من هو الأفضل لغزة؟”. غزة لا تحتاج لا هاريس ولا ترامب، غزة تحتاج لنا نحن، أهل المنطقة. غزة تحتاج لضمير عربي شرق أوسطي يستفيق من سباته يدرك أن نفضة جماعية باتت أمرا حتميًا في مواجهة الظلم والقهر الذي يعانيه الفلسطينيون يوميًا.

إنه من السذاجة أن ننتظر الفرج من السياسات الأمريكية، بغض النظر عن الحزب الذي يتصدر المشهد. فالإدارة الأمريكية، سواء كانت ديمقراطية أم جمهورية، تخضع لمعادلة سياسية ترى إسرائيل حليفا استراتيجيا. لذلك على الشعوب العربية، وكل من يحمل مبادئ الإنسانية وحقوق الإنسان الحقيقية، أن يكونوا هم الفاعلين في المشهد، لا مجرد متفرجين بانتظار منقذ خارجي.

غزة، بصمودها، تذكرنا بأن التغيير يبدأ من داخلنا. علينا أن نتحد وأن نُطلق النضال الإقليمي الحقيقي الذي يُنهي هيمنة الاحتلال ويُرسي دعائم العدالة في المنطقة. إنها اللحظة التي ستأتي، مدفوعة بإرادة الشعوب وقوة الحق. ففي النهاية يد القدر تتحرك بطرق لا يمكن التنبؤ بها، ولكنها تصب في مصلحة من يناضل بإيمان وصلابة.

شحاتة زكريا
باحث في العلوم السياسية والاقتصاد
متخصص في تحليل المشهد السيااسي