شحاتة زكريا يكتب : في مرآة الشرق الأوسط .. أين الحقيقة وسط الضباب؟

2

في عالم يعج بالفوضى ويضج بالصراعات ، يبدو الشرق الأوسط وكأنه المسرح الأكبر للأحداث المتلاحقة حيث تتقاطع المصالح وتتداخل القوى في مشهد يزداد تعقيدا يوما بعد يوم. النظام العالمي الجديد كما يحلو للبعض تسميته ليس إلا انعكاسا لحالة من التحولات المستمرة التي تضع المنطقة في مركز العاصفة.

لكن ما يثير الدهشة هو أن هذه الصراعات ليست وليدة اللحظة. هي امتداد لعقود من التلاعب الاستراتيجي من قبل القوى الكبرى التي وجدت في الشرق الأوسط ملعبا لتحقيق طموحاتها الجيوسياسية. الولايات المتحدة ، على سبيل المثال لم تتخل يوما عن استخدام سياسة “الخداع الاستراتيجي” في إدارة علاقاتها بالمنطقة. من إدارة بايدن إلى إدارة ترامب تبقى الاستراتيجية واحدة وإن اختلفت التكتيكات.

في عهد بايدن اعتمدت واشنطن على سياسة الاحتواء والترغيب محاولة كسب الوقت وامتصاص الغضب العربي تجاه الدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل. قرارات على الورق ومؤتمرات تتحدث عن السلام وحقوق الإنسان، بينما الواقع على الأرض يتحدث بلغة القصف والدمار. أما ترامب فكان أكثر صراحة في انحيازه ، معتمدا على خطاب الوعيد والترهيب ، مستخدما شخصيته المثيرة للجدل كأداة لفرض قرارات أحادية الجانب.

إسرائيل اللاعب الأساسي في هذا السيناريو تستغل هذا الدعم لتحقيق أهدافها التوسعية، غير آبهة بقواعد القانون الدولي أو قرارات مجلس الأمن. العدوان على غزة مثال صارخ حيث تتوالى الجرائم اليومية دون أدنى محاسبة. ومع كل جولة تصعيد يعيد التاريخ نفسه: الإدانات الدولية تظل مجرد كلمات جوفاء والفيتو الأمريكي حاضر ليغلق أي باب لمحاسبة جادة.

لكن ماذا عن القوى الأخرى؟ إيران وروسيا والصين ليست غائبة عن المشهد. إيران تسعى جاهدة لتعزيز نفوذها الإقليمي متحدية العقوبات والحصار وروسيا تبدو وكأنها تعيد بناء أمجاد الماضي من بوابة سوريا بينما الصين تمضي قدماً في مبادرة “الحزام والطريق”، مستخدمة الاقتصاد كسلاح استراتيجي لتحقيق أهدافها.

وسط هذا المشهد المعقد، يبقى السؤال: هل يمكن للمنطقة أن تتحرر من قيود القوى الكبرى؟ الإجابة ليست بسيطة ولكن يبدو أن الشعوب العربية بدأت تدرك أن الحل لن يأتي من الخارج. الموجات المتعاقبة من الحراك الشعبي أثبتت أن هناك وعيا متزايدا بأهمية الاستقلالية السياسية والاقتصادية.

التحديات هائلة من النزاعات الأهلية إلى التدخلات الخارجية، ومن الانقسامات الطائفية إلى غياب رؤية موحدة للمستقبل. لكن التاريخ يعلمنا أن الأزمات الكبرى غالبا ما تكون حافزا للتغيير. ربما تكون الفوضى الحالية هي مخاض عالم جديد يولد من رحم المعاناة.

في النهاية يبقى الأمل معقودا على قدرة الشعوب على استعادة زمام الأمور. لا أحد سينقذ الشرق الأوسط سوى أبنائه. وبينما تستمر القوى الكبرى في لعب دورها يبقى التحدي الحقيقي في قدرة هذه المنطقة على قلب الطاولة، وكتابة تاريخ جديد بعيداً عن هيمنة الخارج.

إنه وقت التغيير فهل نحن مستعدون له؟