شحاتة زكريا يكتب: ما بعد قمة الدوحة.. هل تقترب العواصم العربية من مراجعة علاقاتها مع إسرائيل؟

3

ما جرى في الدوحة لم يكن مجرد قمة طارئة أضيفت إلى سجلات الجامعة العربية أو منظمة التعاون الإسلامي ، بل كان صرخة سياسية تعبر عن حجم الغضب والخذلان وعن الإحساس الجمعي بأن المنطقة وصلت إلى لحظة مفصلية لا يمكن القفز فوقها أو إدارتها بالبيانات المعتادة. فالهجوم الإسرائيلي على قلب الخليج لم يكن مجرد عملية عسكرية عابرة وإنما إعلان صريح بأن تل أبيب لم تعد ترى أي خطوط حمراء وأنها ماضية في سياسات فرض الأمر الواقع مهما كان الثمن.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه الآن: هل يترجم هذا الغضب إلى مراجعة حقيقية للعلاقات العربية مع إسرائيل؟ أم أننا أمام جولة أخرى من الخطاب الانفعالي الذي ينطفئ مع مرور الأيام؟

اللافت أن لغة القمة كانت مختلفة هذه المرة فبدلا من الاكتفاء ببيانات الشجب برزت دعوات واضحة لإعادة النظر في مسار التطبيع ولمراجعة الاتفاقات القائمة وربما الذهاب أبعد من ذلك عبر مقاطعة سياسية ودبلوماسية وقانونية. هذه ليست مجرد نبرة عالية بل تعبير عن إدراك جديد بأن استمرار العلاقة مع إسرائيل في ظل جرائمها يعني خسارة المصداقية أمام الشعوب وفقدان ما تبقى من رصيد الثقة في الشارع العربي.

الخيارات أمام العواصم العربية ليست سهلة لكنها باتت مطروحة على الطاولة بجدية غير مسبوقة. فهناك مسار الضغط الدبلوماسي عبر تخفيض التمثيل أو تجميد العلاقات وهو خيار يحمل رمزية قوية ، ويعيد التذكير بأن التطبيع ليس قدرا لا يرد. وهناك مسار المقاطعة الاقتصادية بدءا من وقف التبادلات التجارية إلى تعطيل الاستثمارات المشتركة وهو سلاح أثبت فعاليته في تجارب كثيرة حول العالم. ثم هناك مسار القانون الدولي حيث يمكن أن تتحرك الدول العربية بشكل جماعي لرفع دعاوى أمام محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية ، ليس فقط لإدانة إسرائيل بل لوضع العالم أمام مسؤولياته.

ما يميز اللحظة الراهنة أن الرأي العام العربي لم يعد قابلا للاحتواء بخطابات التهدئة. الناس ترى صور الدم في غزة وتتابع مأساة التهجير والاغتيالات ثم تستيقظ على أخبار الضرب في قلب العواصم العربية. هذا المشهد يخلق وعيا جمعيا ضاغطا على الحكومات ويجعل من التراخي مكلفا داخليا تماما كما هو مكلف خارجيا.

إسرائيل اليوم ليست مجرد طرف يختلف العرب معه على حدود أو مفاوضات ، بل كيان يصرّ على إذلال المنطقة كلها عبر سياسات تهجير واستيطان وضرب للمدن والرموز. ومن هنا تصبح أي علاقة معه نوعا من التناقض الصارخ مع أبسط منطق الأمن القومي العربي. لقد اعتقدت تل أبيب طويلا أن التطبيع يوفر لها حصانة سياسية لكن قمة الدوحة أرسلت إشارة معاكسة: إذا استمرت إسرائيل في هذا النهج فإن أوراق التطبيع نفسها قد تتحول إلى أداة عقاب.

التحرك العربي المنتظر لن يكون اختبارا لإسرائيل وحدها، بل اختبارا لمدى جدية النظام العربي في حماية ذاته. فإما أن نكون أمام بداية مراجعة شاملة لمسار السنوات الماضية تعيد الاعتبار لفكرة التضامن والقرار الجماعي ، أو أن نُبقي على السياسات المترددة التي منحت إسرائيل شعورا بأنها فوق الحساب.

العالم يراقب والشارع العربي يغلي وإسرائيل تراهن على الوقت. أما العواصم العربية فهي اليوم أمام مفترق طرق: إما أن تُثبت أن قمة الدوحة كانت نقطة تحول حقيقية أو أن تنزلق مرة أخرى إلى روتين الخطابات ، فتخسر الشعوب الثقة ، وتخسر المنطقة ما تبقى من أوراق القوة.

إن السؤال لم يعد: هل يحق للعرب مراجعة علاقتهم مع إسرائيل؟ بل أصبح: هل يملكون ترف الاستمرار في هذه العلاقة بعدما تجاوزت إسرائيل كل الحدود؟