شحاتة زكريا يكتب: مصر وفلسطين .. معركة الكرامة في مواجهة التهجير

0

في عالم يكتسي ظلال التلاعب السياسي وتتبخر فيه القيم الإنسانية تحت وطأة مصالح ضيقة تقف مصر وفلسطين كصورتين حية لمقاومة الاستبداد والظلم. إذ بات واضحا أن من يتخذ من التهجير سلاحا للتغلب على مشكلات سياسية واقتصادية وإنسانية ليس سوى من يحاول طمس معالم الكرامة والحق. في مواجهة هذا الواقع المرير تتعالى أصوات مصر وفلسطين رافضة أي محاولة لتغيير معادلات العدالة وإعادة كتابة تاريخ الشعوب بالمصالح والأجندات الضيقة.

لقد وصلنا إلى نقطة تحول في المشهد السياسي العالمي حيث لم تعد القوى الكبرى تغلف سياساتها بوشائج الإنسانية. فمن المؤسف أن نجد بعض الجهات تتبنى خطابا متطرفا يسعى لفرض واقع لا يُعترف فيه بحقوق الشعوب ، بل يهدف إلى إفراغها من أراضيها وإعادة توزيعها بما يخدم مصالحهم السياسية. إن التصريحات التي تتردد في الأروقة السياسية الغربية والتي يُستشهد فيها بأسماء سياسية كبرى ، لم تعد إلا محاولة بائسة لإعادة إحياء ممارسات قديمة من الاستعمار الجديد ، حيث تُستخدم القوة العسكرية والضغط الدبلوماسي لإخضاع الدول الضعيفة.

ومن بين تلك الأصوات التي تسعى إلى تغيير المعادلات الدولية ، يبرز ترامب بشخصيته المثيرة للجدل الذي لا يتوانى عن استخدام سلاحه الجوي لقصف من يعتبرون مهاجرين أو مواطنين دون مراعاة للقانون الدولي أو حقوق الإنسان. إن هذا التوجه الذي يتبناه ترامب لا يمثل سوى انعكاسا لسياساتٍ قائمة على القمع والإرهاب السياسي وقد تحول إلى رمز لما يسمى بـ”أقصى اليمين المتطرف” الذي يتعالى ليتجاهل معاناة الشعوب في سبيل إنقاذ ماء وجه الدول التي يراها محمية. ولا يمكن إنكار أن هذه السياسات أدت إلى آثار كارثية على المستوى الإقليمي والدولي إذ تسببت في سقوط العديد من الأبرياء وتفاقم معاناة الشعوب تحت وطأة الاحتلال والقمع.

وفي هذا السياق تبرز مصر كحجر الزاوية في مواجهة هذه التيارات إذ لم تسمح قط لأن تُستغل كمنصة لتحويل الأزمة الفلسطينية إلى أداة لتحقيق مكاسب سياسية. فقد أثبتت مصر عبر تاريخها الطويل أن الكرامة الوطنية لا يمكن التنازل عنها مهما اشتدت التحديات. وعلى الرغم من الضغوط والتحديات الداخلية والخارجية فإن الشعب المصري لا يزال يتمسك بكرامته ويصون حدوده ومبادئه بكل شموخ. هذا الثبات لم يكن مجرد قرار سياسي فحسب بل هو تعبيرٌ عن روح شعبية عرفت من خلال معاناة أجيال طويلة معاناة الاحتلال والتهميش.

على الجانب الآخر يبقى الشعب الفلسطيني رمز المقاومة والصمود الذي يُضرب به المثل في الثبات على الحق رغم كل المصاعب. إن تمسك الفلسطينيين بأرضهم ومصيرهم يعكس وعيًا عميقا بأن الحرية والعدالة لا تأتيان من التنازلات أو الحلول الجزافية التي تُفرض من الخارج بل من النضال المتواصل والإصرار على إعادة الحقوق إلى أصحابها. وقد شهد التاريخ مرارا وتكرارا أن الشعوب التي تؤمن بحقوقها ستظل دوما صامدة أمام كل من يحاول تغيير واقعها بالقوة والضغط.

لا يمكننا إغفال أن السياسة الدولية اليوم أصبحت ملعبا لمؤامرات تسعى إلى إعادة توزيع النفوذ والاستيلاء على الموارد وأن قضايا الشعوب تُختزل في مباحثاتٍ سطحية تُغفل العمق التاريخي والثقافي لهذه الشعوب. وما يحدث في غزة وما يُثار حول قضايا التهجير ليس إلا انعكاسا لتلك السياسات التي تهدف إلى تفكيك الروابط الاجتماعية والثقافية بين الشعوب ، لتبقى الحكومات والأحزاب القوية تتبارى على إدارة المصير دون أي اعتبار لإنسانية الشعوب المعنية.

في مواجهة هذا الواقع يصبح من الضروري أن تبقى الأصوات الوطنية والإقليمية راسخة ، رافضة للتنازلات التي تُشوه صورة الشعوب وتستغل معاناتهم لتحقيق مكاسب سياسية مؤقتة. إن مصر وفلسطين برغم كل التحديات قد وضعتا حدا واضحا لأي خطوات تهدف إلى التهجير أو تغيير مسار القضية الفلسطينية بشكل لا يضمن حقوق الإنسان ولا يستعيد العدالة. ومن هنا يجب على المجتمع الدولي أن يستيقظ على حقيقة أن السلام لا يتحقق على حساب الكرامة الإنسانية وأن أي حل سياسي يتطلب احترام حقوق الشعوب على أساس العدل والإنصاف.

لقد وصلت رسالة مصر وفلسطين إلى كل زاوية من أركان العالم معلنةً أن الكرامة الوطنية ليست للتفاوض أو الضحك بها بل هي حصن منيع ضد كل من يسعى لاستغلال النفوذ والقوة. هذه المعركة ليست مجرد مواجهة سياسية بل هي معركة أجلها لا يعرف إلا النصر معركة تبعث الأمل في قلوب الشعوب التي طالما حلمت بالحرية والعدالة. إن المستقبل الذي ينتظر العالم يعتمد على قدرة الأمم على الوقوف صفا واحدا ضد الاستبداد والظلم مؤمنين بأن الحق يعلو ولا يُهزم مهما اشتدت المحن.