شحاتة زكريا يكتب: ميونخ 2025.. أوروبا وأمريكا على مفترق طرق
في عالم يزداد تعقيدا جاء مؤتمر ميونخ 2025 ليؤكد أن العلاقات الدولية لم تعد كما كانت. تصدرت الخلافات الأمريكية الأوروبية المشهد وسط تصعيد متبادل كشف عن مدى هشاشة التحالف الغربي الذي طالما وصف بأنه ركيزة الاستقرار العالمي. لم يكن الأمر مجرد تباين في وجهات النظر ، بل بدا وكأنه بداية لمرحلة جديدة من التوترات العلنية ، مدفوعة بقرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي لم يتوانَ عن فرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبي في خطوة وصفها الأوروبيون بأنها إعلان حرب اقتصادية صريح.
لم يكن الاقتصاد هو الملف الوحيد الذي أشعل الجدل في ميونخ بل امتدت التوترات إلى ملف أوكرانيا حيث تخشى أوروبا من أن تصل واشنطن إلى تفاهمات مع موسكو دون مراعاة المصالح الأوروبية. الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لم يخفِ قلقه ، بل ذهب إلى حد اقتراح تشكيل جيش أوروبي موحد لمواجهة ما وصفه بـ”التهديد الروسي المتصاعد”. إلا أن هذا الطرح لم يلقَ ترحيبًا موحدًا داخل القارة العجوز حيث لا تزال الانقسامات قائمة بين الدول الكبرى حول جدوى مثل هذه الخطوة.
في سياق متصل زادت إدارة ترامب من تعقيد المشهد عبر انتقادها العلني لوضع الديمقراطية في أوروبا، متهمة بعض الحكومات الأوروبية بقمع الحريات وتعزيز اليمين المتطرف. هذا الموقف لم يكن عابرا ، بل جاء في توقيت حساس حيث تستعد ألمانيا لانتخابات قد تشهد صعودا غير مسبوق للأحزاب القومية وهو ما يثير قلقا واسعا بشأن مستقبل التوازن السياسي داخل الاتحاد الأوروبي.
وما يزيد الأمور تشابكا هو تحول الاهتمام الأمريكي شرقًا. ففي ميونخ بدا أن الوفد الأمريكي كان أكثر انشغالا بتعزيز تحالفاته في آسيا مقارنة بمناقشة مستقبل الناتو ما أرسل إشارة واضحة إلى الأوروبيين بأن زمن الاعتماد الكامل على واشنطن قد ولى. وبينما تحاول أوروبا التكيف مع هذه المتغيرات تواجه ضغوطًا متزايدة لإعادة النظر في استراتيجياتها الأمنية والاقتصادية سواء عبر تعزيز استقلاليتها العسكرية أو البحث عن شركاء جدد في الساحة الدولية.
أما على صعيد الشرق الأوسط فقد زاد موقف ترامب من غزة الطين بلة. إعلانه عن خطة لتحويل القطاع إلى “ريفيرا الشرق الأوسط” عبر تهجير سكانه أثار موجة استياء عالمية، لكن اللافت في ميونخ كان إدراك الأوروبيين لمدى خطورة هذه الطروحات. ولعل هذا الإدراك يفتح نافذة جديدة أمام العرب لتعزيز علاقاتهم مع أوروبا ، واستثمار التباين المتزايد بين واشنطن وبروكسل لصالح القضية الفلسطينية.
في النهاية ميونخ 2025 لم يكن مجرد مؤتمر بل كان محطة كاشفة للتحولات الكبرى التي تعصف بالعالم. أوروبا لم تعد كما كانت وأمريكا لم تعد الشريك الذي يمكن الاعتماد عليه بلا شروط. وبينما تتغير قواعد اللعبة الدولية يبقى السؤال مفتوحا: هل ستكون أوروبا قادرة على فرض رؤيتها أم أنها ستجد نفسها مضطرة لمجاراة إيقاع السياسة الأمريكية مهما كان الثمن؟