شحاتة زكريا يكتب: نتنياهو والمحاكمات.. بين القانون والسياسة

3

بنيامين نيتانياهو رئيس وزراء إسرائيل الأطول بقاء في السلطة يجد نفسه اليوم في مأزق غير مسبوق إذ تتشابك أزماته الشخصية مع صراعات بلاده السياسية والحربية لتُنتج مشهدا يعكس مكر التاريخ في محاكمة زعماء يتصورون أن سلطتهم الحصينة قادرة على تجاوز أي قانون أو عدالة.

لطالما عرف نيتانياهو كيف يناور داخل الساحة الإسرائيلية مستغلا نقاط ضعف النظام السياسي والقضائي لتحقيق أهدافه الشخصية. لكن أزمته اليوم تأخذ طابعًا دوليا فالمحكمة الجنائية الدولية اعتبرته “مجرم حرب” على خلفية جرائم ارتكبها جيش الاحتلال في غزة ولبنان ، ما يجعله عرضة للاعتقال إذا وطأت قدماه أرض دولة تعترف بولاية المحكمة.

ورغم أن إسرائيل ليست طرفا في المحكمة الجنائية الدولية فإن الأمر لم يعد محصورا داخل حدودها. فالهروب من العدالة الدولية ليس بالأمر الهين لا سيما في ظل الضغوط التي تمارسها المنظمات الحقوقية لتطبيق القانون الدولي على مجرمي الحرب بغض النظر عن جنسياتهم أو مناصبهم.

داخليا المشهد أكثر تعقيدا. نيتانياهو الذي نجا سابقا من المحاكمات الداخلية عبر اتفاقات سياسية أبرمها مع شخصيات نافذة ، يواجه الآن مدعية عامة شرسة ، جالي ياهاراف ميارا التي لم تتردد في رفض تأجيل محاكمته رغم تصاعد حدة الحروب التي يخوضها جيشه.

ميارا ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك عندما طالبت بمراجعة اتفاق تضارب المصالح الذي يسمح له بإدارة شؤون الحرب مشيرة إلى أن قراراته قد تكون مدفوعة بمصالحه الشخصية أكثر من المصلحة الوطنية. اتهام كهذا يضع نيتانياهو في زاوية ضيقة ويعزز من الاتهامات التي طالما لاحقته بشأن استغلال السلطة لتحقيق أهداف شخصية.

دوليا هناك محاولات مستميتة من دول كفرنسا لتوفير الحماية لنيتانياهو عبر تفسيرات سياسية للقانون الدولي كالقول إن إسرائيل ليست ملزمة بقرارات المحكمة الجنائية الدولية. لكن هذه التبريرات تبدو هشة أمام حقائق الجرائم التي ارتُكبت والتي لا يمكن طمسها أو تجاهلها بسهولة.

هنا يتجلى مكر التاريخ فنيتانياهو الذي صعد إلى السلطة متذرعا بالأمن القومي وجد نفسه في مواجهة مع القانون الذي لا يعترف بالمناورات السياسية. وربما يتساءل البعض: هل سيظل نيتانياهو قادرا على الإفلات كما فعل زعماء قبله؟ أم أن العالم يشهد لحظة فارقة يتغير فيها ميزان العدالة الدولية؟

الواقع أن ملاحقة نيتانياهو سواء داخل إسرائيل أو خارجيا هي انعكاس لتحول في طبيعة الصراع على العدالة في العالم. فبينما تعمل القوى الكبرى على حماية حلفائها من المثول أمام العدالة الدولية ، تتزايد الضغوط الشعبية والمنظماتية لإخضاع الجميع لقواعد واحدة.

في النهاية مصير نيتانياهو قد يصبح رمزا لصراع أكبر صراع بين نظام دولي قديم قائم على المصالح السياسية والهيمنة ونظام ناشئ يسعى لتحقيق عدالة شاملة. التاريخ مليء بالأمثلة التي تُظهر أن مكر العدالة قد يتأخر لكنه لا يغيب وربما تكون محاكمة نيتانياهو هي اللحظة التي يؤكد فيها العالم أنه لا أحد فوق القانون.