شحاتة زكريا يكتب: هل انتهت زعامة الغرب؟ ترامب يدفع نحو هيمنة أمريكية مطلقة
منذ أن جاء دونالد ترامب إلى السلطة وهو يعيد تشكيل المشهد العالمي بطريقة لم يشهدها العالم منذ عقود. سياساته لا تستهدف فقط إعادة ترتيب الأولويات الأمريكية، بل تسعى إلى فرض هيمنة أمريكية مطلقة تتجاوز التحالفات التقليدية التي قامت عليها زعامة الغرب لعقود. فلسفة “أمريكا أولًا” لم تكن مجرد شعار انتخابي بل تحولت إلى نهج استراتيجي يعيد تعريف العلاقات الدولية ويدفع نحو تراجع الدور الجماعي للغرب لصالح سيطرة منفردة لواشنطن.
التوجه الجديد يضعف فكرة التحالفات التي كانت حجر الزاوية في السياسة الخارجية الأمريكية. من حلف الناتو إلى العلاقات مع الاتحاد الأوروبي ، لم يعد الالتزام الجماعي هدفا في حد ذاته بل صار خاضعًا لحسابات المصلحة المباشرة. انسحاب واشنطن من الاتفاقيات الدولية، والتشكيك في جدوى التكتلات الغربية وفرض العقوبات الاقتصادية حتى على الحلفاء كلها مؤشرات على أن الولايات المتحدة لم تعد ترى نفسها قائدة للعالم الغربي بل تفضل أن تكون القوة العظمى الوحيدة التي تفرض إرادتها دون الحاجة إلى شركاء.
لكن السؤال الجوهري هو: هل يمكن لأمريكا أن تحقق هذه الهيمنة المطلقة دون تبعات؟ فالعالم اليوم ليس كما كان بعد الحرب العالمية الثانية أو حتى بعد الحرب الباردة. القوى الصاعدة وعلى رأسها الصين وروسيا تستغل الفراغ الذي يتركه انكفاء واشنطن عن دورها التقليدي وتسعى إلى بناء نفوذ عالمي موازٍ. في المقابل أوروبا تجد نفسها في مأزق غير مسبوق إذ لم يعد بإمكانها الاعتماد على واشنطن كضامن أساسي للأمن والاستقرار مما يدفعها إلى البحث عن خيارات بديلة وإن كانت محدودة.
التوجه الأمريكي نحو الهيمنة المنفردة قد يعزز قوتها على المدى القصير، لكنه يطرح تحديات ضخمة على المدى البعيد. فبدون تحالفات قوية ستواجه واشنطن صعوبات في فرض أجندتها عالميًا خاصة في ظل تصاعد المنافسة الاقتصادية والعسكرية. كذلك فإن الضغط المفرط على الحلفاء قد يدفعهم إلى تقارب أكبر مع القوى المنافسة مما يضعف قدرة أمريكا على فرض سياساتها بفعالية.
ما يفعله ترامب ليس مجرد إعادة ترتيب الأولويات بل هو محاولة لتغيير قواعد اللعبة بالكامل. الغرب كما عرفناه قد يكون في طريقه إلى الزوال لكن السؤال الأكبر هو: هل تستطيع أمريكا وحدها أن تحل محل تحالف بأكمله؟ الإجابة ستتحدد في السنوات المقبلة لكنها بلا شك ستعيد تشكيل موازين القوى في العالم.