شحانة زكريا يكتب: الردع النووي ..أداة حاسمة أم خطر متجدد في ظل التوترات الدولية المتزايدة؟
في خضم تصاعد التوترات الدولية ، يعود الحديث عن الردع النووي إلى الواجهة باعتباره أحد أهم الأدوات الاستراتيجية التي استخدمتها الدول الكبرى على مدار عقود لضمان أمنها القومي. ومع تطورات الأوضاع الجيوسياسية في الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا يجد الردع النووي نفسه مرة أخرى في قلب المعادلة الدولية. لكن هل يبقى الردع النووي فعّالا في منع النزاعات ، أم أنه يشكل خطرًا يهدد الأمن العالمي؟
تصاعد التوترات وإعادة الحسابات
على مر العقود اعتمدت الدول المالكة للأسلحة النووية على مفهوم الردع النووي لمنع نشوب حرب شاملة، حيث كانت القوة التدميرية للأسلحة النووية كفيلة بردع أي عدوان مباشر. ومع ذلك في ظل التوترات المتزايدة بين القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا وكذلك بين الصين وجيرانها في آسيا يبدو أن الردع النووي أصبح أداة تحذير مزدوجة تحمل في طياتها إمكانيات استقرار وخطر التصعيد في آن واحد.
حالة عدم الاستقرار في أوكرانيا والتوترات في بحر الصين الجنوبي تشكل أمثلة حية على كيفية استخدام الردع النووي كجزء من استراتيجيات الردع المتبادل. لكن هذه الاستراتيجيات لم تعد تقتصر فقط على الترهيب، بل أصبحت تشتمل على بناء ترسانات جديدة وتطوير تكنولوجيات حديثة، مما يزيد من مخاطر نشوب نزاع غير محسوب.
التحديات الجديدة في عالم متعدد الأقطاب
التحولات الجيوسياسية خلقت مشهدا عالميًا معقدا. لم يعد الردع النووي مقتصرا على ثنائية الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وروسيا. اليوم تدخل قوى جديدة مثل الصين والهند وباكستان في هذا المجال مما يزيد من تعقيد معادلة الردع النووي. هذه الدول تسعى لتطوير قدراتها النووية بما يتناسب مع مصالحها الاستراتيجية، مما يفتح الباب أمام سباق تسلح جديد.
علاوة على ذلك يبرز خطر الإرهاب النووي وانتشار الأسلحة النووية في أيدي دول أو جماعات غير مسؤولة كأحد التهديدات الجديدة. هذا التطور يفرض تحديات غير مسبوقة على المنظومة التقليدية للردع النووي التي تعتمد على السيطرة والتوازن بين القوى الكبرى.
هل لا يزال الردع النووي فعالا؟
تظل الأسئلة حول فعالية الردع النووي في العصر الحالي قائمة. من ناحية قد يحمي الردع النووي الدول من المواجهة العسكرية المباشرة ، لكنه من ناحية أخرى يزيد من احتمالات اندلاع نزاع غير مقصود. فالتوترات الدولية المعاصرة المدفوعة بأزمات اقتصادية وسياسية وأيديولوجية، قد تؤدي إلى اتخاذ قرارات غير متوقعة تحت ضغوط هائلة.
من جهة أخرى تنامي الاعتماد على التكنولوجيا العسكرية المتقدمة وأنظمة الدفاع الصاروخي يعيد تعريف مفهوم الردع النووي التقليدي. الأنظمة الجديدة قد تعطي بعض الدول إحساسا زائفا بالأمان مما قد يزيد من خطر المواجهة بدلاً من تقليله.
الطريق إلى الأمام: الدبلوماسية والحد من التسلح
في ضوء هذه التحديات يجب على المجتمع الدولي تعزيز الدبلوماسية والحوار من أجل تقليل مخاطر الردع النووي. اتفاقيات الحد من التسلح مثل معاهدة ستارت الجديدة بين الولايات المتحدة وروسيا، التي تهدف إلى تقليل عدد الأسلحة النووية، يمكن أن تمثل جزءا من الحل. لكن يجب أن تتوسع هذه الجهود لتشمل قوى نووية أخرى مثل الصين والهند.
كما أن التعاون الدولي في مجال الأمن النووي ومنع الانتشار يجب أن يكون على رأس الأولويات. تعزيز الشفافية وبناء الثقة بين الدول يمكن أن يقلل من مخاطر التصعيد النووي ويدفع نحو مستقبل أكثر أمانًا.
ختاما: ضرورة تبني استراتيجيات جديدة
بينما يظل الردع النووي جزءا من الواقع الاستراتيجي الحالي ، إلا أن التوترات المتزايدة تفرض على المجتمع الدولي إعادة التفكير في هذه الاستراتيجية. يجب أن تركز الجهود على تعزيز الدبلوماسية وتطوير أنظمة أمنية جديدة تعتمد على التعاون الدولي وليس فقط على التهديد النووي.
العودة إلى حافة الهاوية ليست خيارا مستداما؛ بل ينبغي العمل على إيجاد حلول تضمن أمن واستقرار العالم دون الحاجة إلى الاعتماد على الأسلحة النووية كعنصر ردع أساسي.