صناعة الكراهية بقلم: محمود دسوقي
تميل الفطرة الإنسانية إلى الرحمة بغض النظر عن الدين أو العِرق أو اللون؛ والرحمة صفة ليست مقصورة على الإنسان بل منحها الخالق عز وجل للحيوان أيضًا، لكن يبدو أن هناك تضاد بين “الرحمة” و”السلطة” ففي غالب الأوقات لا تجتمع الصفتان لدى أصحاب السلطة من مُحبي المجد الدنيوي خاصة وإن كانوا لا يعيرون اهتمامًا بمبادىء إنسانية أو حتى تعاليم دينية.
والحضارات القديمة في معظمها بُنيت على جماجم البسطاء، إما أناسًا وجدوا أنفسهم جنودًا في جيوش جرارة يخوضون حروبًا في بلاد غريبة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وإما شعوبًا وجدت نفسها بين ليلة وضحاها أسيرة بين فكي غرباء لا يعلمون من أين أتوا ولماذا، لكن النتيجة واحدة!! أرواح البسطاء هي الثمن!!، وفي منطقتنا العربية لنا العِبرة والمثل، بداية من حملات الهكسوس على مصر قبل 3600 عامًا مرورًا بهجمات المغول والتتار على معظم دول آسيا وأفريقيا، والاحتلال الغربي لمعظم الدول العربية والأفريقية في القرن التاسع عشر، وحديثًا الحرب الأمريكية على العراق ومن بعدها ما عانت منه لبنان وسوريا واليمن وفلسطين.
إن ما حدث تاريخيًا ويحدث آنيًا للشعوب الفقيرة والضعيفة والناشئة على يد الغرب حُكامًا وجيوش، كفيل بالتأصيل لمفهوم “الكراهية” – كراهية سببها القتل والتجويع والتجهيل واستنزاف الثروات واحتلال الأرض، وسط صمت وتجاهل وصل لحد المباركة من غالبية الدول والمؤسسات والمنظمات الدولية الفاعلة، وها هي غزة تنزف وحيدة ويموت أطفالها ونساؤها وشيوخها حصارًا ومرضًا وجوعًا وكأن الصواريخ الفتاكة والقنابل الزلزالية غير كافية لإزهاق الأرواح الضعيفة والبريئة، والدول التي تكتفي بمواقف الشجب والإدانة والتعبير عن القلق، أمام ما يحدث للشعب الفلسطيني الأعزل على يد الاحتلال الإسرائيلي؛ سيلفظها التاريخ ويفضح صمتها وتخاذلها.
العالم يتسع للجميع، وبذل الجهود وتوجيه الإنفاق في العلوم والأبحاث بما يخدم البشرية جمعاء السبيل الوحيد للبقاء – بقاء كل البشر، أما سباق التسلّح وممارسات العدوان والاحتلال والقتل والتهجير والتجويع والتطهير العرقي، فلا يمكنها إلا صناعة “الكراهية” بين الشعوب وتغذية روح الانتقام، وتلك الأيام نداولها بين الناس، وهنا قد نكون تخلفنا جميعًا عن الهدف الأسمى الذي خلقنا الله من أجله “عمارة الكون”! .. فهل نجد من بيننا عقلاء؟!!.
محمود دسوقي: كاتب صحفي بمؤسسة الأهرام
