عبير يونس تكتب: مسرحية سيدتي الجميلة وحرفية التمصير

كيف تتغير هوية النص ليتناسب مع بيئة مختلفة

4

التعريب وملائمة النص لبيئة المتلقي

لعلك قد صادفت مصطلح “تعريب” من قبل، أو بشكل محلي “تمصير” وهو بمثابة إعطاء هوية جديدة تماما للنص ليصبح مناسبا لبيئة المتلقي مع إجراء التعديلات اللازمة للوصول لهذه النتيجة. الأمر يخص العالم كله وكل المجتمعات تقوم بعملية تغيير الهوية بما يناسب معاييرها وقابلية النص الجديد للذوبان في المجتمع الذي يتم نقله إليه. هذه العملية تختلف تماما عن الترجمة وإن كانت معتمدة أساسا على الترجمة بهدف النقل ولكن دون الالتزام ” بأمانة” النقل. فالنص هنا يعتبر فكرة ملهمة لنص جديد، عربي (مصري) بالنسبة لنا، يقاس مدى فاعليته كلما بدا أنه لا علاقة له بالبيئة الأصلية التي أتى منها. وربما تجد بعض التشابه بين البيئتين سببه البعد الإنساني الواحد للجميع.

حرفية التمصير
في مسرحية “سيدتي الجميلة” لفؤاد المهندس وشويكار والمأخوذة عن فيلم “بيجميليون” والذي تم إنتاجه في عام 1938،   تم تمصيرها بحرفية  حيث أخذت جانبها الأرستقراطي من قصور الحكام الأتراك و جانبها الشعبي من الحارة المصرية المتمثلة في عائلة “بعضشي” المتمرسين في السرقة و هي إضافة جعلت صدفة بعضشي نشالة تختلف عن شخصية بائعة الورد الفقيرة ذات الطموح أن تمتلك محلا لبيع الزهور في الفيلم.

اختلاف ظروف البطلة
رغم تشابه شخصية الأب السكير عديم المبادئ وتشابه كمال بك مع بطل الفيلم في غروره وعدم اكتراثه بالمشاعر وكلاهما كان متمردا على أخلاقيات الطبقة الأرستقراطية، إلا إن البطل في الفيلم يراهن على تأثير اللغة على السلوك مع اختلاف الطبقات الاجتماعية، بينما كانت لعبة كمال على افندينا بهدف الهروب من الزواج .يقع الاختلاف هنا في نقطة محورية، حيث تختلف شخصية البطلة في الفيلم عنها في المسرحية  أعطت النص المصري ذروة الاضمحلال في شخصية تلك الفتاة لتأخذها لأعمق نقطة في قاع المجتمع وكيف تمكن كمال بيك من انتشالها لترتفع هي بذكائها فتفوق كل التوقعات لتصل إلى أعلى نقطة في قمة الرقي بما لم يساعدها فيه أحد، وهي عكس ما يسمى في عالم المسرح ب ال Anticlimax وهي نقطة خيبة الأمل بعد تضخيمه، كمن تراه يرتدي ملابس فاخرة جدا فتراه بنظرة أعلى ما يمكن من الفخامة لتسقط نظرتك خائبة وفي قدميه نعل مهترئ تظهر منه أصابع قدميه. ربما أراد المؤلف هنا أن يوجد هذا التناقض المتناهي عمدا وبشكل معكوس لرفع النظرة من الأسفل للأعلى، وأيضا ساهمت المبالغة في ذلك التناقض في أخذ النص في اتجاه السياق الكوميدي.

النص ما بين التمصير والترجمة

هناك العديد من الأعمال الفنية والأدبية التي تم تعريبها أو تمصيرها ونجحت في جذب القراء والمشاهدين، ما لا يسع المجال لحصره.  والجدير بالذكر، أن ذلك التباين بين التمصير والترجمة، يقوم بإبراز دور الترجمة في الحفاظ على روح النص ونقله للمتلقي دون المساس بهويته الأصلية أو محاولة طمسها أو تشويهها. وهو ما يجعل من الترجمة غاية ترتجى لذاتها أو وسيلة لتحقيق غاية أخرى في خلق نص جديد ولائق يتعلق نجاحه بإهمال أمانة النقل لصالح الملائمة المجتمعية.