عصام أبو بكر يكتب : حماس ..والحرب الإعلامية والظهور بصورة المنتصر

1

أعتقد أن الحرب الإعلامية التي تقودها حماس اليوم رغم تفوقها فيها لكنها جاءت متأخرة ولن تغيّر من الواقع شيئًا. فقد انتهت اللعبة، وموازين القوى الدولية باتت مختلفة تمامًا،مع تصدّر الكيان الصهيوني المشهد في الشرق الأوسط ووصول ترمب إلي البيت الأبيض والذي وعد بتحقيق أحلام اليهود في الشرق الأوسط والعمل علي إقامة” إسرائيل الكبري “، وقد يكون صمت إسرائيل رغم كل ما يحدث هو تحضير لردّ انتقامي سيكون الأقوى بعد إنهاء ملف الرهائن، وذلك من خلال التنسيق بين المؤسسة السياسية والأمنية وهذا ما اتوقعه منذ البداية فإسرائيل تحتاج من الصفقة إرجاع الرهائن والذي يمثل هذا الملف إرباك لنتنياهو داخل المجتمع الإسرائيلي من خلال المظاهرات اليومية داخل إسرائيل ويريد أن يرتاح من هذا الإرباك ، وبعدها لن يكون هناك قيد أو شرط أو أي ضغوط لديه

المشاهد الأخيرة التي نقلتها وسائل الإعلام من غزة، بما في ذلك استقبال الأسرى والهتافات المؤيدة لحماس، ستزيد من التوتر وقد توحد الصف الإسرائيلي المشتت حاليا خاصة بعد إستقالة بعض الوزراء في حكومة نتنياهو وتهديد البعض الاخر بالاستقالة إن لم تستمر الحرب مرة أخري بعد إطلاق الرهائن حتي تحقيق أهدافها فالإحزاب السياسية بمختلف أطيافها السياسية، يمينًا ويسارًا بعد المشاهد الأخيره والإستفزاز من قبل حماس قد تقف خلف الحكومة الإسرائيلية وتمنع سقوطها إلا بعد انتهاء الحرب وتحقيق جميع أهدافها .

ويبدو أن هناك هدفا ما لظهور حماس بصورة المنتصر علي عكس الحقيقة وأعتقد أن هناك بند غير معلن في الاتفاق بين حماس وإسرائيل يقوم على إخراج حماس بصورة المنتصر، حتى في الإعلام الإسرائيلي، وذلك لأسباب استراتيجية متعددة:

أولاً: إخراج حماس من المشهد السياسي الفلسطيني والإقليمي والدولي بصورة تحفظ ماء الوجه، بما يتيح لقادتها الخروج بصمت مع الأموال، إلى جانب عناصرها من غزة، واختفائهم عن المشهد بهدوء. بالمقابل، يتم ضمان عدم استهدافهم أو عائلاتهم. ورغم أن روسيا قد تكون الوجهة الأقرب لهم، فإن من المستبعد أن يسمح الموساد الإسرائيلي ببقائهم على قيد الحياة، حيث يقوم النهج الإسرائيلي على أن الانتقام لا يكتمل إلا بالقضاء النهائي على الخصوم، مما يجعل احتمال اغتيالهم وارداً حتى بعد سنوات.

ثانياً: عودة إسرائيل إلى القتال لاستكمال مخططاتها، مثل تهجير السكان وتدمير ما تبقى من غزة. ولهذا، فإن حماس بحاجة إلى استعراض عسكري يُظهر أنها لا تزال قادرة على المواجهة، بما يُعيد إشعال الحرب في غزة، لتبرر إسرائيل استكمال عملياتها. في هذه الأثناء، أعدت الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفاؤهما جميع السيناريوهات اللازمة للتعامل مع غزة بعد انتهاء هذه المرحلة.

وقد بدا وجه رئيس وزراء اإحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في ظهوره الإعلامي الأخير وهو يعكس ملامح من الحزن وحالة من الغضب والرغبة في الانتقام بدرجة تفوق ما ظهر في يوم 7 أكتوبر لعدم قدرتة علي تحقيق أي نصر يذكر أو تحقيق أي هدف من الأهداف المعلنة لحرب غزة وأولها القضاء علي حماس وعودة الرهائن وكلاهما لم يتحقق بالحرب مما إضطره للتفاوض لإرجاع الرهائن ، فضلا عن ظهور حماس بهذه الصورة في قطاع غزة، مما أثار سخرية كثير من الإسرائيلين علي حكومة نتنياهو فبعد 14 شهر من القتال والتدمير والهجمات الجوية والبرية وتدمير 80 بالمائة من قطاع غزة إلا أن حماس مازالت موجوده للدرجة التي دعي بعض الإسرائيليين إلي القول أنه لكي نقضي علي حماس يجب أولا أن نقضي علي حكومة نتنياهو و يبدو أن الرد القادم لن يكون مجرد تصعيد عادي، بل خطة شاملة تحمل في طياتها رسالة لإنهاء حماس .

الأحداث الأخيرة بما في ذلك الاستعراض العسكري لعناصر حماس والظهور الإعلامي المبالغ فيه ، تشير إلى نهج يفتقر إلى القراءة السياسية الدقيقة، ويؤدي إلى تعقيد المشهد أكثر مما يخدم القضية الفلسطينية، كما قد تستغل إسرائيل الهتافات التي صدرت عن بعض سكان غزة ضد إسرائيل بصفة خاصة واليهود بصفة عامة مع التأييد لحماس في القطاع لتعطي مبررًا إضافيًا لها لتبرير سياساتها أمام العالم. فالخطاب العدائي يعزز الرواية الإسرائيلية بأن هناك عداءً جوهريًا لا يمكن تجاوزه، مما يفتح الباب أمام خطط مثل التهجير القسري والطوعي وتفتيت السكان الفلسطينيين..

ومن الواضح أن حركة حماس قد فقدت كثير من قدراتها العسكرية ومكانتها السياسية وتحاول تعويضه بالظهور الإعلامي المبالغ فيه مما يعطي إنطباعا زائفا بعكس الحقيقة سواء داخل الساحة الفلسطينية أو الإقليمية،الاستعراضات العسكرية ومحاولات إثبات الوجود من قبل حماس لن تؤدي سوى إلى مزيد من المعاناة لسكان القطاع. فالعالم قد يغض الطرف عن مصير الغزيين بعد انتهاء قضية الرهائن، مما يترك غزة أمام مستقبل مجهول، خاصة إذا استمرت حماس في التصرف بمعزل عن الواقع الإقليمي والدولي .كما أن استعراض القوة الميداني لا تخدم سوى مصلحة إسرائيل التي تسعى لاستغلال هذه الأحداث لمزيد من التدمير والتصعيد العسكري والذي سيكون دون ضوابط في غزة.

حماس ضعفت كقوة عسكرية وسياسية فاعلة، لكن إسرائيل ما زالت تعمل على تحقيق أهداف استراتيجية طويلة المدى في غزة، أحد أبرز السيناريوهات هو فتح المعابر أمام سكان غزة للهجرة الطوعية. هذه الخطوة لن تُنتج لاجئين بالمعنى التقليدي، بل سيجري دمج الغزيين كمواطنين في الدول التي يلجؤون إليها. بهذه الطريقة، تحاول إسرائيل تجنب تكرار تجربة نكبة عام 1948، التي أفرزت ملايين اللاجئين الفلسطينيين ومؤسسات إغاثة دائمة. وإنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين بشكل جذري وهو أحد أهداف إسرائيل منذ أحداث 7أكتوبر

ما تقوم به اسرائيل في غزة اليوم ليس مرتبط بحماس فحماس قد انتهت ولم يبق منها إلا ما سيكتب في كتب التاريخ عن مرحلتها التي أنهت بيديها القضية الفلسطينية بنكبة 7 اكتوبر وستدمر اسرائيل ما تبقى من غزة فهذه فرصتها وستدفع سكان الشمال إلى مغادرته والنزوح وتجميع الغزيين في أماكن تسهل عليهم لاحقا الخروج طوعا من غزة على مراحل وسنوات وأصبحت دول كثيرة في هذا العالم جاهزة لاستقبالهم وعلى رأسهم الشعوب المتعاطفة معهم ، ولن توقف اسرائيل الحرب على غزة قبل أن تستسلم حماس وان تسلم جميع الرهائن الاسرائيليين الاحياء منهم والاموات وسوف تغتال اسرائيل ما تبقى من قياديها

وفي ظل التوجه الدولي وخاصة الأمريكي بقيادة ترامب نحو فرض “سلام بالقوة” في الشرق الأوسط، من غير المرجح أن تكون هناك أي ضغوط دولية حقيقية تمنع إسرائيل من استكمال عملياتها في غزة. فتسليم الرهائن قد يكون خطوة تريح حكومة نتنياهو من الضغط الشعبي وضغط اهالي الرهائن، لكنه في ذات الوقت قد يفتح الباب أمام مزيد من التدخلات الإسرائيلية غير المقيدة وإطلاق يد إسرائيل في القطاع دون قيد أو شرط،فلا مكان للإسلام السياسي في ظل التغيرات التي يشهدها الشرق الأوسط.

ما يجري في غزة اليوم يعكس مرحلة دقيقة وحاسمة، ليس فقط على المستوى الفلسطيني، بل على المستوى الإقليمي والدولي.ما يجري في غزة في الوضع الراهن ليس سوى جزء من مشهد أكبر يعيد تشكيل ملامح المنطقة، حيث المصالح السياسية والاقتصادية تحكم، فبعد أن تحقق إسرائيل جميع أهدافها العسكرية والسياسية في غزة، ستُسلم ملفها للإدارة الأمريكية و جهة دولية، ومن ثم ستنسحب، لكن هذا السيناريو ليس وشيكا الأن، ويبدو أن الإسلام السياسي بشكل عام وحماس بشكل خاص، يواجهان رفضًا متزايدًا على المستوى العالمي. ومع عدم قبول قادة حماس لهذا الواقع وتجاوبها مع المعادلة الجديدة في الشرق الأوسط مع محاولة تعويض ذلك بالظهور الإعلامي قد يؤدي إلى تصعيد خطير ينتج عنه مزيد من التدمير والا غتيالات .

أما قطاع غزة فتدميره هدفه قطع فرصة الحياة في المدينة فلن تقبل اسرائيل أو امريكا أن يقبل بوجود فلسطينيون في غزة وسيتم
تهجيرهم بشكل طوعي بعد القضاء على كل فرصة حياة في داخل القطاع وتفتيتهم في دول العالم وهذا سهل جدا بعد، أن يفقد سكان غزة الامل ولن يعيشو في خيام طيلة حياتهم وسيخرجون طوعا ولوحدهم على مدار سنوات وحقيقة من كان يمتلك المال في القطاع خرج اساسا حيث دفعت ملايين الدولارات لشركات مصرية ساعدتهم على الخروج فترة الحرب ولو يفتح المعبر الان لترو الآلاف يهربون من القصف والموت.

وسيتم تقسيم غزة وسيبقى السكان في أماكن معينة محصورة ذات مساحات مصغرة وستبدأ الحياة بالتكيف داخل الخيم وداخل البيوت المهدمة ليقرر الغزيون وبصمت وعلى مدار سنوات للخروج من غزة ، و بعد ذلك ستبدأ الهجرة الطوعية للسكان من خلال جهات وشركات مع وجود دول جاهزة لاستقبالهم وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، أما غزة فهي أمريكية متعددة الجنسيات ولكن بدون الفلسطينين وستحتاج إلى ما يقل عن 15 سنة لتظهر إلى النور وعقود طويلة سيساهم فيها شركات عالمية ورأس مال دولي .

قضية إعادة إعمار غزة لن تكون لصالح الفلسطينيين فهي كذبة لا تصدقوها ، بل ستكون مرهونة بشروط الدول الداعمة والحليفة لأمريكا وإسرائيل ،وتحت إشراف شركات عالمية ومؤسسات أمريكية، وقد تصبح أمريكا صاحبة النفوذ الأكبر في غزة، كم أن المساعدات والإعمار والتي وعدت بها كثير من الدول شريطة عدم وجود حماس قد يؤثر هذا الظهور الإعلامي لحماس عليها , فالمجتمع الدولي لن يدعم عملية الإعمار طالما أن حماس تسعى لتأكيد وجودها العسكري بين السكان، مما يجعل السكان هم الضحية الأولى لهذه السياسات .

ما يحدث اليوم في غزة من استمرار السياسات غير المدروسة من قبل حماس سيزيد من معاناة الغزيين، بينما تتجه إسرائيل إلى مزيد من التصعيد تحت غطاء المجتمع الدولي مع إعطاءحماس المبرر الكافي لإسرائيل للأستمرار في حربها ضد سكان غزة بظهورها الإعلامي المبالغ فيه مع آظهار العداء الواضح لإسرائيل عبر وسائل الإعلام مما يعطي لإسرائيل المبرر لاستمرار الحرب ومزيد من التدمير والإغتيالات والتهجير ، وعلي النقيض ستسعي إسرائيل لاستمرار حربها ضد غزة وتهجيرهم بعيدا عن الإعلام ،وستختفي تدريجيًا الأخبار عن غزة بعد إنتهاء صفقة تسليم الرهائن . ولن يسمع أحد صوت الغزيين،سوى عبر أخبار خفيفة بين الحين والآخر.كما أن الصدى الإعلامي سيتوقف، والغزيون سيعانون من واقعهم القاسي بصمت،و يغادرون غزة بلا ضجيج في أخطر مرحلة من مراحل الحرب وهي الهدف الرئيسي من حرب غزة وهي المرحلة الأخيرة والأهم فيما يطلق عليها ” الحرب الصامتة “