عصر التفاهة! بقلم :الأديب والشاعر زكريا حيدر
نحيا في زمنٍ صارَ “التافه” فيه نبياً، و”الجهل” تاجاً، و”الخواء” فلسفةً للوجود. أيها الرعاع الذين تسلَّلتم إلى حياتنا كالجرذان في الليل، تتهافتون على الشاشات كالذباب على الجيف، أتظنون أن صراخكم في فراغ العالم سيُغني عنكم صوتًا؟ أنتم لصوصٌ مسلَّحون بجهلٍ مُركَّب، تسطون على عقول البسطاء بفُتات الكلام، وتُسمّمون الآبارَ كي تشربوا وحدكم من وَحْلِ الشهرة!
أيُعقل أن يصير التطفل على الأسرار فنًا؟ وأن تتحول الإهانة إلى وسام شرف؟ أصبحتم تبكون دموع التماسيح أمام الكاميرات، وتختلقون الفضائح من هواء العدم، وتُجيدون رقصات البجع فوق جثث المبادئ. تسوّقون عوراتكم وعورات الناس في سوق النخاسة الحديث، حيث تُباع الكرامة بقطع فضة، وتُشترى الأخلاق ببلاغة اللسان السليط. ما أشنعكم وأنتم تتسلقون على أكتاف العار!
أتعرفون لماذا تخافون من الصمت؟ لأنكم إن صمتَّم لثانية واحدة، سيدرككم فراغكم الذي يزمجر كالوحش في جوف الليل. تختبئون وراء ضجيجكم الهستيري، وتخنقون العالم بثرثرتكم السامة كي لا يسمع أحدٌ أنين أرواحكم المتحللة. تبيعون أوطانكم كلمة كلمة، وشرفكم إعجابًا إعجابًا، وضمائركم منشورًا منشورًا. أيها السراب البشري: أي جرحٍ في طفولتكم حوَّلكم إلى كائناتٍ تبحث عن الحياة في مرايا الخداع؟
هذه الشهرة الرخيصة التي تسعون إليها ليست سوى سرابٍ يغري العطشان، ثم يتركه جثةً على رمال الصحراء. ستكتشفون يومًا أن أرقام المتابعين ليست سوى أصفارٍ على يسار حياتكم الخاوية، وأن صخبكم ما هو إلا صرخةٌ في قبرٍ تَحفُرونه بأيديكم. تُريدون أن تبقوا في الذاكرة؟ ستتركون خلفكم رائحة نتانة كعظامٍ دفنتها الكلاب في مزبلة التاريخ.
أما نحن، فسنظل نُشعل النار في معاقل تفاهتكم. سنحوّل سكوتنا إلى سيفٍ يقطع جذور صراخكم، وسنملأ العالم أصواتاً تشقُّ السّماء مثل صواعق الحقّ. اِرقصوا الآن على أنغام سقوطكم.. فنحن نبنى خلف ضجيجكم صروحاً لن تزول، ونزرع في صمتنا أشجاراً ستكسر خناجركم البلاستيكية بجذورها التي تمتد إلى أعماق الأرض. اِشربوا من كؤوس الشهرة المسمومة حتى الثمالة.. فما دام في العُروق دم، وفي القلوب إيمان بأن بعض الكلمات تستحق أن تُقال، وبعض الصمت يستحق أن يُحفظ، فإن زمن الغثاء إلى زوال.
