على بوابة 2026… من يكتب شكل المنطقة قبل أن تتغيّر الخرائط؟ بقلم: شحاتة زكريا

37

ليس السؤال عن شكل 2026 بل عن العقول التي ستكتب هذا الشكل قبل أن تكتمل ملامحه. المنطقة اليوم ليست فى لحظة عابرة نحن أمام فصل جديد تتقاطع فيه إرادة الدول مع ضغوط القوى الكبرى ، وتشتبك فيه خرائط ما بعد الصراعات مع تصوّرات اقتصادية تُعاد صياغتها من الصفر. وفى قلب هذا الخليط المربك تقف القاهرة بثبات يعكس فهما مبكرا لطبيعة اللحظة ، وقدرة على قراءة اتجاه الريح قبل أن تنقلب الأجواء.

المنطقة تتغيّر بسرعة لا تشبه ما عرفناه من قبل. ممرّات التجارة ترسم من جديد وأشكال الاصطفاف لم تعد تُبنى على الشعارات التقليدية بل على القدرة الفعلية للدول على صناعة نفوذ اقتصادى واستقرار داخلى. العالم يعيش حالة من التشظى المنظم: قوى تبحث عن حصص فى الطاقة وأخرى تسعى لملء فراغات الجغرافيا ودول تعيد بناء تحالفاتها وفقا لضرورات اقتصادية لا وفقا لمرجعيات سياسية. وسط هذه التحولات تصبح الدول القادرة على ضبط معادلة الداخل والخارج فى آن واحد هى الفاصلة بين أن تكون جزءا من المشهد أو مجرد تابع له.

القاهرة تدرك هذه الحقيقة جيدا وربما لهذا نراها تتحرك فى دوائر متوازية: تأمين العمق الاستراتيجى ضبط مسارات الاقتصاد وإعادة صياغة موقعها داخل شبكة العلاقات الإقليمية. ما يحدث ليس خطوات مجتزأة بل رؤية متكاملة لبناء منعة سياسية تُحصّن الدولة من رياح التغيرات. فحين تتخذ مصر موقفا فى ملف إقليمى أو تُعيد ترتيب أولوياتها الاقتصادية أو تتحرك دبلوماسيًا بمرونة محسوبة فهى تفعل ذلك من منطلق إدراك عميق بأن المنطقة مقبلة على إعادة توزيع للأدوار وبأن الفراغات لا تبقى فارغة طويلا.

اللافت أن القوى الكبرى نفسها لم تعد قادرة على فرض رؤى أحادية كما كانت من قبل. فالتنافس الأمريكى–الصينى واستعادة روسيا لحضورها ، وتصاعد دور الفاعلين الإقليميين كلها عوامل خلقت مساحة جديدة تتحرك فيها القاهرة بثقل نوعى. هذه ليست مجرد سياسة خارجية بل استراتيجية بقاء وصعود: أين تقف الدولة حين تتبدل الخريطة؟ وأين تضع قدمها حين تتحرك الممرات الاقتصادية؟ وكيف تبنى لنفسها مسارا لا يعتمد على الآخرين بقدر اعتماده على قوتها الذاتية؟

2026 لا ينتظر أحدا العالم يكتب مسودته الأولى الآن: من الخليج حتى شرق المتوسط ومن أفريقيا حتى البحر الأحمر. هناك صفقات تُبرم وأدوار تتشكل ونقاط تماس تُعاد صياغتها. لكن ما يميز اللحظة أن الوعى الشعبى نفسه أصبح جزءا من المعادلة؛ الناس باتت تقرأ ما وراء الصورة وتدرك أن استقرار الدولة ليس مفهوما إنشائيا بل هو شرط أساسى للعبور إلى مستقبل أكثر توازنا. وفى دولة كبرى مثل مصر يصبح هذا الوعى صمام أمان ويُحوّل المواطنين إلى شركاء فعليين فى صياغة اللحظة.

السؤال إذا: من يكتب شكل المنطقة قبل أن تتغيّر الخرائط؟
الجواب لا يتعلق بالقوة العسكرية وحدها ولا بعدد التحالفات ولا بحجم الاقتصاد فقط. الجواب فى قدرة الدولة على فهم اللحظة وتوظيفها فى قدرتها على قراءة ما وراء الضجيج فى أن تتحرك بمزيج من الصبر والحسم وأن تضع مصالحها فوق كل حسابات اللحظة العابرة.

وإذا كانت الخرائط الجديدة تُرسم من داخل معادلات الطاقة والتجارة والأمن الإقليمى ، فإن مصر تكتب موقعها بالفعل بفضل توازنات محسوبة وخطوات لا تعرف المغامرة غير المحسوبة ولا التراجع غير المبرّر. وفى عالم يجرى بسرعة الضوء تبقى الدول التى تمتلك عقلا باردا وإرادة ثابتة هى الأكثر قدرة على أن تكون صانعة للتاريخ لا ملاحِقة له.

2026 لن تُعيد صياغة المنطقة فقط.بل ستُعيد تعريف من هم اللاعبون الحقيقيون فيها.
ومصر—بثقلها، ووعيها، واستقرارها—لا تنتظر أن تُمنح دورا بل تصنعه بنفسها… قبل أن تتغيّر الخرائط.