غادة طلعت تكتب: طريق الحرير مبادرة أم إختراق للقارة السمراء
طريق الحرير “حزام واحد، طريق واحد” أو ما يُعرف بمبادرة الحزام والطريق هي مبادرة صينية قامت على أنقاض طريق الحرير
في القرن 19 من أجل ربط الصين بالعالم، وتغطي أكثر من 65 دولة بين 3 قارات.
وتهدف المبادرة إلى تقليل تكلفة النقل واللوجيستيات من خلال الممرات الاقتصادية التجارية، كما تستهدف إعادة اكتشاف
الممرات البحرية القديمة لإعادة تدشين طريق الحرير البحري لتعزيز الربط الدولي من خلال أفريقيا ودعم حركة التجارة الدولية.
ووفقاً للمخطط الصيني ينقسم طريق الحرير إلى فرعين رئيسيين، هما طريق الحرير البري، وطريق الحرير البحري الذي تستفيد
منه أفريقيا استفادة قصوى، حيث يبدأ من فوجو في الصين ويمر عبر فيتنام وإندونيسيا وبنجلاديش والهند وسريلانكا وجزر
المالديف وشرق أفريقيا على طول الساحل الأفريقي، متجها إلى البحر الأحمر مارا عبر قناة السويس إلى البحر المتوسط نحو
أوروبا حتى يصل إلى الساحل الصيني.
وهنا يأتي السؤال هل تقوم الصين بالدور الرائد كقوة اقتصادية عالمية تراعي مصالح الدول النامية وشعوبها، وتحرص على
دعم مسيرة التنمية المستدامة لتلك الدول من أجل عالم أفضل للجميع على أساس من تبادل المصالح والمكاسب المشتركة.
أم هو اختراق اقتصادي.. الصين تفرش “طريق الحرير” لامتلاك إفريقيا
تتمثل الدوافع الرئيسة لمبادرة الحزام والطريق في الأمن والسوق والطاقة معًا، عبر تأسيس ممرات آمنة للنقل، وإنشاء وتحسين خدمات المواني، والمساعدة في الاختراق الإستراتيجي للأسواق.
وهنا يتضح أن “الحزام والطريق” ليست مجرد مبادرة اقتصادية، لكنها أيضًا تعكس حاجة الصين إلى تعزيز وجودها العسكري
لحماية مصالحها المتنامية خارج حدودها، ومن ثمّ تمثل أولوية في السياسة الخارجية للقيادة الصينية، فهي هدف إستراتيجي
وشامل ومكون أساسي من أهداف الحزب الشيوعي الصيني (CPC) لزيادة النفوذ الصيني.
ويأتي تمويل مشاريع مبادرة الحزام والطريق من مختلف الأطراف المشتركة، بما في ذلك 40 مليار دولار من صندوق طريق
الحرير (SRF)، 100 مليار دولار من البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، (AIIB)، 100 مليار دولار لبنك بريكس للتنمية
الجديدة، ومن 50 إلى 100 مليار دولار من مؤسسة الاستثمار بالصين. في حين تأتي الأموال الإضافية من احتياطيات الصين من
النقد الأجنبي وصندوق الثروة السيادي، اللذين يضمان 7 تريليونات دولار و220 مليار دولار على التوالي.
وتركز “الحزام والطريق” على دول شرق إفريقيا، بما في ذلك دول القرن الإفريقي، كينيا وجيبوتي وتنزانيا وإثيوبيا، وقد تمتد
مشروعات المبادرة إلى نيجيريا والكاميرون وناميبيا ودول الغرب الإفريقي، على اعتبار القرن الإفريقي رأس جسر للمبادرة الصينية داخل القارة السمراء.
يمكن أن تكون للمبادرة فوائد إيجابية للبلدان الإفريقية، رغم خطورة التمدد الصيني، من بينها:
النمو التدريجي لمشروعات البنية التحتية في القرن الإفريقي، بتحسين شبكات الاتصالات المادية والرقمية، وهو أمر مهم
لتعزيز السلع والصادرات الإفريقية، ما يمكن أن يساعد بلدان القارة على اندماج أعمق في سلاسل القيمة العالمية.
لا يمكن تجاهل أن الصين تمثل مصدرًا بديلاً للتمويل، في وقت تبحث فيه إفريقيا عن مصادر بديلة لرأس المال من أجل تنميتها.
نمو التجارة وخلق فرص العمل أبرز الفرص التي تتيحها تلك المبادرة لدول القرن الإفريقي، التي تعاني حاليًّا من مستوى بطالة
مرتفع للغاية.
معالجة العجز التجاري بين الصين والدول الإفريقية عمومًا.
رفع كفاءة المواني الإفريقية التي تُستخدم حاليًّا بقدر غير كافٍ، إذ إنها تعمل بـ30% فقط من قدرتها وفقًا للمعايير العالمية.
هناك تحذير واحد.. التداعيات المحتملة من جائحة فيروس كورونا. فمن خلال إرسال المساعدة الطبية والمساعدات الإنسانية،
تحاول بكين تقديم نفسها على أنها رائدة الجهود العالمية لمكافحة انتشار المرض. وقد تم اعتبار نجاحها فى احتواء تفشى
المرض فى مقاطعة هوبى نموذجًا للدول الأخرى. ولكن مع تضرر الاقتصادات الإفريقية بسبب الإغلاق العالمى، فإن الغضب من
مسئولية الصين عن انتشار الفيروس يتحول إلى دعوات لتخفيف عبء الديون. بما أن الصين بصفتها مصدر المرض يقع عليها
«التزام أخلاقى» بإعادة هيكلة القروض الثنائية.
إذا تم إعلان إعفاءات سخية من الديون، فستتغير شكل العلاقات الدولية لصالح الصين. ولكن إذا تم الوقوف لمشاهدة جائحة
كورونا وهى تنتشر فى إفريقيا، إذ المخاطرة بفقدان ما حاولت الصين بناءه فى آخر عقدين محاولة إثبات حسن نيتها.