غادة طلعت تكتب : غاده طلعت الخبيرة الاقتصادية

147

التداعيات الاقتصادية علي مصر منذ العدوان الغاشم علي غزة بعد أن أوشكنا علي سنه

تأهبت الدولة المصرية للعمل مع تداعيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتأثيرات المتوقعة على الاقتصاد المصري، فتلك الحرب أضعفت آفاق التعافي الاقتصادي بعد الجائحة لاقتصادات الأسواق الصاعدة والنامية في منطقة الشرق الأوسط.
تؤثـر الحـرب علـى مصـر لموقعهـا الجغرافـي وأيضا نظرا لعلاقتها مع اسرائيل عبر حدودها الشـرقية.
ومن هنا تبدأ الأزمة …تسـتورد مصر الغاز الطبيعي من إسـرائيل منذ عام 2020 وفي أغسطس 2023 أعلنت مصرعن زيادة الواردات على مدى السنوات العشرة المقبلة ونتيجة لحرب غزة، توقف الامداد لفترة وجيزة في نهاية أكتوبر 2023 بسبب توّقف الانتاج، ثم استؤنف بكميات مخفضة.
تصدرأسرائيل الغاز بشكل أساسي إلى مصر والاردن بموجب صفقات طويلة الاجل، بما في ذلك عقد مدته 15 عام مع مصر وفي حين انخفضت أسعار النفط والغاز منذ بداية عام ،2023 فقد أوقفت شركة شيفرون الانتاج في حقل تمار االاسرائيلي في منتصف أكتوبر 2023 واهمية هذا الحقل في تزويد مصر بالغاز ولحفظ قدرتها على تصدير أيضًا الغاز الطبيعي المسال واستانفت اسرائيل تصدير الغاز الي مصر منتصف نوفمبر 2023 ولكن بكميات مخفضة ويستخدم هذا الغاز لتوليد الكهرباء. و يؤدي انقطاع الغاز إلى زيادة الاعبائ المالية والضغوط على الحساب الجاري.
أدي النزاع إلى ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، ما يسهم في تفاقم ً الضغوط التضخمية نظرًا للاثر الكبير علي كلفة الاحتياجات الاساسية. وتزداد حالة الاقتصاد الكلي المصري صعوبةً بسبب الضغوط على أسعار الصرف، والحاجة إلى رفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم.
وازداد التضخم إلى مستويات لم يشهدها البلد من قبل وصلت في سبتمبر 2023 إلى 38% و36% . في أكتوبر 2023 ، وكان هذا الاهلي معدلات في تاريخ مصر وفقد سعر الصرف الرسمي للعملة نصف قيمتة منذ مارس 2022 ،ونحو 70 %منها في السوق السوداء…ثم نوه البنك المركزي المصري، إلى أنه على أساس سنوي، سجل معدل التضخم العام الحالي 26.2% في أغسطس 2024 مقابل 25.7% في يوليو 2024..

وتواجه مصر تحديات على حدودها الجنوبية، مع دخول أكثر من 190,000 لاجئ مسجل إلى البلد منذ أبريل ،2023 هربًاً من حرب السودان.
وبعد موافقة صندوق النقد الدولي علي تخصيص 3 مليار دولار لمصربموجب تسهيل الصندوق المدد في ديسمبر 2022 ، بدت بعض المؤشرات الالويةعلى إمكانية زيادة القرض الي 8 مليار دولار بسبب التحديات الاقتصادية الناجمة عن حرب غزة وقبل النزاع مباشرة، خّفضت وكالة موديز التصنيف الائتماني لمصر إلى وضع غير مرغوب فيه، ما يعكس الصعوبات الاقتصادية المستمرة وعبء الديون الثقيل الذي يصل إلى نحو 160 مليار دولار.
ركزت تقارير سـتاندرد آند بورز على قطاع السياحة وحددت ثالثة سيناريوهات، تبلغ الخسارة من إيرادات السياحة فيها 10% و%30 و%70، وحسب التقديرات تتراوح الخسارة في الناتج المحلي الاجمالي بين عامي 2023 و2024 من 0.3 إلى 1.8 % في مصر.
أصدرت مؤسسة أكسفورد إيكونوميكس أثر الحرب على الاقتصاد العالمي في ظل سيناريوهين للتصعيد في الشرق الاوسط. في ظل السيناريو المعتدل، من المتوقع حدوث بعض الضطرابات في إمدادات الطاقة، ما يؤدي إلى ارتفاع سعر النفط الي 120 دولار للبرميل أما في ظل سينايور اشتداد حدة النزاع، فتتضاعف الاضطرابات في قطاع الطاقة، وينخفض المخزون بنسبة 12 %، وترتفع الاسعار الي 150 دولار للبرميل.

قام البنك الدولي بتقييم ثالثة سيناريوهات للمخاطر تعرض الاثار المحتملة للحرب على إمدادات الطاقة، حسب مستوى الاضطرابات الناتجة.
في ظل سيناريو حدوث اضطرابات محدودة، يتوقع أن ترتفع أسعار النفط بنسبة 3 إلى 13 % فوق خط الاساس وفي ظل سيناريو حدوث اضطرابات معتدلة ، تتراوح الزيادة بين 21 و35 % وفي ظل سيناريو حدوث اضطرابات كبيرة بين 56 و75 %. وتميل بعض التقديرات إلى مجاورة الحدود العليا، لانها تفترض انخفاضات حادة في مساهمة السياحة في الاقتصاد أو زيادات في أسعار النفط.
ويواجه البنك المركزي المصري حاليًا مهمة صعبة في السيطرة على التضخم ومحاولة رفد النمو االقتصادي. وللصدمات على إمدادات النفط حيث ان مصر مستورد للطاقة ويفرض الوضع الحالي فترة مطولة من التشديد في السياسة النقدية، في ظل ضغوط تضخمية، أعباء إضافية على الشركات والاسر ويؤدي هذا السيناريو إلى تراجع الانفاق الاستهلاكي والنشاط الاقتصادي ككل، ما يعوق بدوره النموالداخلي وأيضا زيادة الضغوط المالية وارتفاع كلفة خدمة الدين، وزيادة النفقات العسكرية مما أدي الي وجود تباطؤ اقتصادي ونتيجة لذلك هناك خطر اتساع العجز المالي والمديونية الحرجة وزيادة الدين العام بسبب التكاليف المرتبطة بالازمة وتحديات دعم الطاقة وارتفاع الاجور بالموزانة واضطرت الحكومة المصرية الي تصيص اموال لمواجهة أثار العدوان علي غزه بدل من توجية الانفاق الي سبل التنمية الاقتصادية
.

وأدي العدوان علي غزة الي انخفاض قيمة العملة فى 6 مارس 2024 واستقرار الدولار عن مستويات 48 جنيه رسميا بالبنوك في ظل تزايد عدم اليقين الاقتصادي مع عقد صفقة رأس الحكمة وتدفق 35 مليار دولار لتعزيز الاحتياطي المركزي ةخفض أرصدة الدين بالموزانة وخفض عجز صافي الاصول الاجنبي ومع استمرار النزاع وتناقص ثقة المستثمرين في المنطقه . عدم الاستقرار، كل هذا يؤدي الي تعقيد التجارة الدولية وزيادة خدمة الديون، وزيادة الضغوط التضخمية ومخاطر الجيوسياسية متزايدة.
بلغ إجمالي إسهام السياحة في الناتج المحلي اإلجمالي في مصر 7.7 % أي 612.6 مليار جنيه في عام 2023 وتشير التقديرات إلى أن قطاع السفر والسياحة أتاح 2.37 مليون فرصة عمل في عام 2023 8.5 % من مجموع فرص العمل من حيث العمالة المباشرة وغير المباشرة.
ولكن التقارير تشير إلى نسب عالية من إلغاء الحجوزات لنهاية العام، وخاصة من قبل السياح الاجانب، مع احتمال أن تمتد هذه االالغاءات إلى العام المقبل حسب تطور حرب غزة.
تشكل سبل التجارة الرئيسية، وخاصة قناة السويس ومضيق هرمز، ممرات حيوية للشحن. وقد يكون الاضطراب الحالي في هذه المناطق آثار واسعة على التجارة الاقليمية كما العالمية. ويمكن أن يعّرض استمرار الحرب وتمدد نطاقها خارج اسرائيل وغزة أمن قناة السويس وعملها للخطر وهي مصدر مهم للايرادات في الميزانية المصرية، وقد يؤدي الي آثار مالية كبيرة وارتفاع تكاليف الشخن نتيجة لحزوف استخدام هذة الممرات المائية الحيوية وارتفاع اقساط التامين العالمية وهذا يزيد من الضغوط التضخمية للسلع المستوردة وايضا من الممكن ان تتأثر كل المشاريع الاقليمة البارزة الخاصة بممرات التجارة بين الدول.

يتوقـف حجـم الأثار الاقتصادية علـى مدة الحرب وشـّدتها، فشـدة الصراع لن تؤثر على التكاليف المباشرة فحسب، وفي عدادها الانفاق العسكري وكلفة الاضرار، بل تؤثر أيضا علي التكاليف الغير مباشرة، الناجمة عن الخسائر في التجارة واالاستثمار، والخسائر الطويلة الاجل في رأس المال البشري، إذا تصاعد الصراع، قد تنزلق المنطقة إلى زيادة في أسعار الطاقة ومزيد من التضخم،
آثار تطال النمو والفقر وتوزيع الدخل، ومؤشرات التنمية البشرية، ويمكن أن تهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وتقوض التنمية المستدامة.

مع تطورات الوضع، يجب وضع استراتيجيات للتخفيف من التحديات التي تسبب الحرب وتنجم عنها ، من المتوقع أن يزداد ضبط أوضاع المالية العامة أهمية للتخفيف من الاثر الاقتصادي. واذا لم تصمم البرامج وتنفذعلى نحو متوازن، فقد يكون لاجراءات الضبط أشد الاثارعلى الفئات المعرضة للمخاطر، فيتعمق الشعور بالظلم وعدم الثقة، وذلك يمس عقود أسس العقد االجتماعي في مصر وجميع أنحاء المنطقة.
وقدرة الاقتصاد المصري على الصمود ستكون رهنا على إدارة هذه الصدمات. وهذه الادارة تتطلب حلوال على مستوى المنطقة والشأن الداخلي تهدف إلى تحريك القطاع الخاص، وبناء أنظمة ذات كفاءة للخدمات العامة، وتوجيه الانفاق الاجتماعي بحيث يساعد في تخفيف الاعباء عن الاسروالعمال والقطاعات الاقتصادية المتضررة وتسريع تعافيها، وضبط المالية العامة، وتحقيق النمو الاقتصادي الشامل والمستدام.

وقبل كل ذلك لابد من وقف فوري لاطلاق النار وانقاذ حياة أهالي غزة وتدارك اتجاه الدمار واليأس الذي يعم المنطقة جراء حرب غزة، والحد ما أوقعته من تكاليف هائلة على إقتصاديات المنطقة بأكملها.

غاده طلعت
الخبيرة الاقتصادية