في ولاية ترامب الثانية لا يمكن تهميش القضية الفلسطينية
في ولاية ترامب الثانية لا يمكن تهميش القضية الفلسطينية وثمن التطبيع مع إسرائيل زاد
تساءلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن السبب الذي ستنكمش فيه مساحة ترامب لعقد الصفقات في الشرق الأوسط عند عودته إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/يناير.
وفي تقرير أعده مارك مازيتي قال إن أجندة ترامب حول الشرق الأوسط ليست واضحة، إلا أن المجال الجيوسياسي قد تغير بشكل كبير منذ خروجه من البيت الأبيض قبل أربعة أعوام. ففي الفترة الأولى كانت سياسة ترامب تتركز على عنصرين: ضرب الاقتصاد الإيراني ومحاولة عزل طهران من خلال بناء علاقات قريبة بين الدول العربية المنافسة لإيران وإسرائيل.
أما العنصر الثاني، فهو تحقيق اختراقات دبلوماسية بين الدول العربية وإسرائيل، فيما عرفت باتفاقيات إبراهيم والتي أدت لتوقيع دول مثل الإمارات العربية المتحدة والسودان والبحرين والمغرب اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل. وحصلت بعض الدول الموقعة على اتفاقيات إبراهيم على وعود بتزويدها بأسلحة متقدمة. وعبر المسؤولون في حينه عن أملهم بانضمام السعودية، أهم دولة عربية مؤثرة إلى التغيرات الجيوسياسية هذه، وبأن تعترف بإسرائيل، وهو هدف سعت إدارة جو بايدن لمواصلته بدون نجاح.
من الواضح، رغم عدم وضوح معالم السياسة الخارجية لترامب من الشرق الأوسط، بأنه سيرث واقعا سياسيا متغيرا ومختلفا عما واجهته إدارته في فترته الأولى
ومن الواضح، رغم عدم وضوح معالم السياسة الخارجية لترامب من الشرق الأوسط، بأنه سيرث واقعا سياسيا متغيرا ومختلفا عما واجهته إدارته في فترته الأولى. فقد تغيرت التحالفات وتعمقت التوترات القديمة مع أن الجليد ذاب في بعض المناطق، في وقت سيظل هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر والرد الإسرائيلي عليه حاضرا ويهز المنطقة لسنوات قادمة.
وأشار مازيتي إلى ترشيح ترامب في الأسبوع الماضي، ستيف ويتكوف، تاجر العقارات والمانح الكبير لحملة ترامب الرئاسية لعام 2024، مبعوثا خاصا له إلى الشرق الأوسط. وكان ويتكوف، المدافع القوي عن إسرائيل، حاضرا عندما ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطابه أمام الكونغرس في تموز/يوليو.
كما قدم اختيار الرئيس المنتخب لمنصب وزير الخارجية، السيناتور ماركو روبيو من فلوريدا، والسفير الأمريكي لدى إسرائيل مايك هاكابي، دعما ثابتا لحرب إسرائيل في غزة. وقالت الصحيفة إن شعار ترامب في السياسة الخارجية كان دائما التركيز على التجارة “وتوقيع الصفقات”. وفي دول الشرق الأوسط فإن السياسة الخارجية التي تعطي أولوية للمعاملات والصفقات هي أسلوب حياة.
وسائل إعلام: ترامب يشكل إدارته بوتائر قياسية
وقد التقى إيلون ماسك، رجل الأعمال وأثرى رجل في العالم وعمل في الحملة مستشارا لترامب مع رئيس بعثة إيران في الأمم المتحدة في الأسبوع الماضي. ومقارنة مع أربع سنوات سابقة فلم يعد لدى ترامب المساحة الكافية التي توفرت له في الفترة الأولى لتغليب المعاملاتية على الموضوعات السياسية ولعدة أسباب، بحسب كريستيان أورليشسن، أستاذ دراسات الشرق الأوسط بجامعة رايس و”لو اعتقدت جماعة ترامب 2 أنها تستطيع مواصلة ما خلفته في 2020، فإنهم يسيئون قراءة الوضع” و”هذا سيظهر بشكل سريع” كما يقول.
لبنان وإسرائيل.. مفاوضات التهدئة طريق مسدود
وتشير الصحيفة إلى أن ولاية ترامب الثانية لن يكون فيها أي مجال لتهميش الفلسطينيين، كما حدث عندما قاد جاريد كوشنر، صهر ترامب، جهود البيت الأبيض لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية خلال الإدارة الأخيرة.
وفي حينه لم تطالب الدول العربية بمطالب ملموسة مثل المضي نحو الدولة الفلسطينية، كشرط مسبق للموافقة على تطبيع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل. ونتيجة لذلك، لم يتنازل بنيامين نتنياهو عن أي شيء تقريبا لتحقيق نصر دبلوماسي مميز، حيث اعترفت الدول العربية الموقعة على اتفاقيات إبراهيم بحق إسرائيل في الوجود.
إيلون ماسك يضيف مايكروسوفت لدعواه القضائية ضد “OpenAI”
ويشير الكاتب إلى أن إدارة بايدن تبنت استراتيجية مماثلة في محاولة للتوصل إلى اتفاق دبلوماسي بين إسرائيل والسعودية، لكن هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 والحرب في غزة قلبت أي احتمالات للتوصل إلى اتفاق. وباختصار، رفعت السعودية سعر الصفقة، نظرا للغضب المحلي في المملكة وفي دول عربية أخرى بشأن حمام الدم في غزة. وقال محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، علنا إن إسرائيل يجب أن تلتزم بدولة فلسطينية قبل أن تعترف السعودية بإسرائيل.
قال محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، علنا إن إسرائيل يجب أن تلتزم بدولة فلسطينية قبل أن تعترف السعودية بإسرائيل
وفي خطاب أمام مستشاريه في أيلول/سبتمبر قال: “المملكة لن تتوقف عن مواصلة الجهود لإنشاء دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية. ونؤكد أن المملكة لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل”.
ومع ذلك هناك احتمال لأن يخفف ولي العهد من مطالبه أو يتخلى عنها مقابل السعر المناسب. فهو زعيم أخبر المفاوضين قبل وبعد 7 تشرين الأول/أكتوبر أن فلسطين ليست من أولوياته الكبرى، ولا شك بين خبراء الشرق الأوسط أن ولي العهد يعطي الأهمية الكبرى للاستثمارات الغربية في المملكة ويعتبرها واحدة من أهم أولوياتها من أجل تحديث الاقتصاد. وفي الوضع الحالي، فأي تحرك ينظر إليه كتخل عن دعم الفلسطينيين يحمل مخاطر كبرى سواء في داخل المملكة أو في العالم العربي.
أما السبب الثاني، فهو عدم رغبة الحكومة اليمينية في إسرائيل بالمساومة. ففي الوقت الذي يريد فيه السعوديون الحصول على ثمن أكبر مقابل صفقة مع إسرائيل إلا أن الأخيرة ليست مستعدة للتنازل. فمنذ خروج ترامب من البيت الأبيض، عاد نتنياهو إلى السلطة على رأس الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل. وقد أمضى الوزراء القوميون المتطرفون في الائتلاف الحاكم العامين الماضيين في الدعوة إلى المزيد من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وتأجيج عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين هناك.
ومنذ هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر، دعا سياسيون مثل بتسلئيل سموتريتش وزير المالية وإيتمار بن غفير وزير الأمن الوطني علانية إلى طرد الفلسطينيين من قطاع غزة وعودة الاستيطان إليها. وللحفاظ على تماسك حكومته الائتلافية، وتأخير الانتخابات التي قد تجلب له الهزيمة فضلا عن محاسبته على الفشل في منع هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر، أصبح نتنياهو مدينا لليمين المتطرف في إسرائيل.
ونتيجة لهذا، فهو ليس في وضع يسمح له بتقديم أي تنازلات ذات مغزى للفلسطينيين كجزء من أي صفقة كبرى في الشرق الأوسط. والواقع أن سموتريتش تفاخر علنا الأسبوع الماضي بأن انتخاب ترامب سيمهد الطريق لحدوث العكس. وأضاف أنه في العام المقبل، ستستعيد إسرائيل الضفة الغربية وتفرض “السيادة” اليهودية عليها.
العامل الثالث عن محدودية ترامب وقدرته لتحقيق الصفقات هي أن الشرق الأوسط أعاده ترتيب تحالفاته وانحيازه بعيدا عن الولايات المتحدة وإسرائيل.
ففي الفترة الأولى، نظرت إدارة ترامب إلى عقد تحالفات عربية مع إسرائيل كوسيلة لعزل وإضعاف إيران التي خاضت حروبا بالوكالة للهيمنة على الشرق الأوسط. لكن الجليد في العلاقات بين إيران ودول الخليج بدأ يذوب الآن. وعلى مدار العام الماضي، التقى الدبلوماسيون الإيرانيون بشكل مباشر بمسؤولين من السعودية والإمارات العربية المتحدة ودول خليجية أخرى. وفي الشهر الماضي، سافر وزير الخارجية الإيراني إلى العديد من دول الخليج للتباحث في كيفية وقف “جرائم” إسرائيل في غزة ولبنان، وذلك حسب الإعلام الإيراني الرسمي.
تظل العلاقات الجديدة بين إيران وجاراتها في الخليج هشة في أحسن الأحوال ولكنها انفراجة نابعة أصلا من البراغماتية
وتظل العلاقات الجديدة بين إيران وجاراتها في الخليج هشة في أحسن الأحوال ولكنها انفراجة نابعة أصلا من البراغماتية، ونتيجة للإدراك بأن الولايات المتحدة تحاول ولعدة سنوات الابتعاد عن الشرق الأوسط والتركيز على مجالات جيوسياسية جديدة، وبخاصة مع الصين وروسيا.
وقد استخدم المسؤولون السعوديون حادث استهداف المنشآت النفطية في شرق المملكة عام 2019 بالمسيرات والصواريخ والتي أدت لانخفاض معدلات الطاقة العالمية، وكيف أن ترامب والبيت الأبيض اختارا عدم الانتقام.
ومن جانبها، قد تصر السعودية على إدارة ترامب القادمة بإبرام اتفاقية دفاع رسمية، وهي معاهدة من شأنها إلزام الولايات المتحدة بالدفاع عن المملكة إذا تعرضت للهجوم. وقال تشيب آشر، وهو محلل سابق بارز في شؤون الشرق الأوسط، إن السعوديين سيكونون سعداء بوضع “قدم في المعسكرين”. ويمكنهم “التقارب مع إيران، حتى لو لم يكن جادا بالكامل وفي وقت يحاولون بقوة الحصول على التزامات أمنية مع الولايات المتحدة”.
وتشير الصحيفة إلى أن أي اتفاقية دفاع مشترك تحتاج لموافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، وهو شرط مرتفع من غير المرجح أن يتم الوصول إليه إذا لم يوافق السعوديون أيضا على الاعتراف رسميا بإسرائيل كجزء من الصفقة. ونتيجة لهذا سيحاول السعوديون ودول الخليج الأخرى التحوط في رهاناتهم. وبحسب أولريشسن من جامعة رايس “يقوم قادة الخليج بإجراء حساباتهم التي تقوم على النظر 10 إلى 15 عاما إلى الأمام وكيف سيغير الانسحاب الأمريكي ميزان القوى”. و”هذا هو الواقع الواجب على فريق ترامب التعايش معه”.