كارتر ترك سلاما صامدا بين إسرائيل ومصر رغم غياب التطبيع
ترك الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر إرثا راسخا في الشرق الأوسط عبر اتفاق السلام التاريخي بين مصر وإسرائيل الذي لا يزال صامدا حتى بعد 15 شهرا من الحرب في قطاع غزة والتوتر بينهما الذي نتج عنه.
إلا أنه لا يمكن القول إن هذا السلام نجح في تحقيق تطبيع في العلاقات بين البلدين، لا سيما على المستوى الشعبي.
وتقول الدبلوماسية الإسرائيلية السابقة في القاهرة روث فاسرمان لانده لوكالة فرانس برس “لم نشهد حربا منذ 45 عاما، لكنني لن أصل إلى حدّ القول إنه سلام”.
الحكومة السورية تستحدث هيئة عامة للمنافذ البرية والبحرية
والى جانب العلاقات الدبلوماسية، توجد مبادلات وثيقة في مجالي التجارة والطاقة والتعاون الأمني بين مصر وإسرائيل منذ حوالى نصف قرن.
غير أن إسرائيل تبقى العدو بنظر غالبية المصريين المعروفين تاريخيا بتضامنهم مع القضية الفلسطينية، وقد تجلّى ذلك بوضوح خلال الحرب المتواصلة بين الدولة العبرية وحركة حماس في قطاع غزة.
ويتفادى المسؤولون الحكوميون المصريون، عندما يتحدثون عن العلاقات الاقتصادية والتبادل بين البلدين، ذكر إسرائيل صراحة في تصريحاتهم.
وبموجب اتفاق السلام الذي وُقّع في العام 1979 برعاية جيمي كارتر في كامب ديفيد في الولايات المتحدة، استعادت مصر شبه جزيرة سيناء التي كانت إسرائيل احتلتها في حرب 1967. واعتاد الإسرائيليون التوجّه الى سيناء كسيّاح، إلا أنهم توقفوا عن التوافد إليها في تشرين الأول/أكتوبر 2023 مع تنفيذ حركة حماس هجومها غير المسبوق على إسرائيل والذي شكّل شرارة الحرب في قطاع غزة.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة مصطفى كامل السيد إن الحرب في قطاع غزة “أثّرت على المصريين، بالأخصّ عندما تقدّمت الدبابات الإسرائيلية على الحدود المصرية الفلسطينية في أيار/مايو”، في إشارة الى دخول الجيش الإسرائيلي معبر رفح الحدودي بين غزة ومصر الذي أقفل منذ ذلك الوقت. واعتبر كثيرون في مصر ذلك “انتهاكا صارخا لمعاهدة السلام”.
وتتمسّك القاهرة في المفاوضات من أجل هدنة في غزة التي تتوسّط فيها مع قطر والولايات المتحدة، بعودة السيطرة الفلسطينية الى معبر رفح.
لكن رغم كل ذلك، لا تزال معاهدة السلام التي جعلت من مصر أول دولة عربية تعترف بإسرائيل، تشكّل إلى اليوم أهم اتفاق سلام في المنطقة.
على أساسها، تتلقّى مصر مساعدة عسكرية أميركية بقيمة 1,3 مليار دولار كل سنة.
وأشاد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الإثنين بالإرث الدبلوماسي الذي تركه كارتر الحائز جائزة نوبل السلام.
هجوم إلكتروني يستهدف وزارة الخزانة الأمريكية والشبهات تدور حول الصين
– “منحاز” أم “منصف”؟ –
ويجمع المحللون على أن إعادة النظر في المعاهدة غير مطروحة، إلا أن السلام بين مصر وإسرائيل لم يتحوّل يوما إلى صداقة.
بعد حوالى نصف قرن على المصافحة التاريخية بين الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن في أيلول/سبتمبر 1979، بات ينظر إلى كارتر بصورة مختلفة في كلّ من البلدين.
فبعد توقيع المعاهدة، عُلّقت عضوية مصر في الجامعة العربية لعقد كامل. في السادس من تشرين الأول/أكتوبر 1981، اغتيل أنور السادات في عملية نفّذها إسلاميون مصريون اعتبروا أنه “ارتكب خيانة”.
من الجانب الإسرائيلي، يقول الباحث في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب عوفير وينتر “خلال العقود الأخيرة، برز كارتر خصوصا كمنتقد للسياسة الإسرائيلية في ما يتعلق بالقضايا الفلسطينية، ما حمل قسما كبيرا من الرأي العام على اعتباره منحازا”.
وأثار الرئيس الديموقراطي الأسبق غضب إسرائيل بقوله إن معاملتها للفلسطينيين قد ترقى إلى الفصل العنصري.
كما انتقد بشدة توسيع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة ونشر بهذا الصدد عام 2006 كتابا بعنوان “فلسطين: السلام لا الفصل العنصري”.
في 2015، رفض بنيامين نتانياهو لقاءه خلال زيارة قام بها لإسرائيل.
في المقابل، يعتقد مصطفى كمال السيد أن كارتر سيبقى في التاريخ “أكثر رئيس أميركي أنصف العرب وكانت له رؤية صحيحة للصراع العربي الإسرائيلي”.
– “لا أحد يريد الحرب” –
في العام 2011، وخلال الانتفاضة الشعبية ضد حكم الرئيس السابق حسني مبارك، هاجم متظاهرون السفارة الإسرائيلية في مصر. منذ ذلك الحين، لم يعد هناك أي علم إسرائيلي مرفوعا في القاهرة.
وعند إعادة فتح البعثة الدبلوماسية في 2015، بدأت العمل من مقر السفير في حي المعادي الراقي بجنوب القاهرة. يوجد طوق أمني على تقاطع في المنطقة، ويأمر شرطي المارة بالالتفاف حول الحي حيث تظهر لافتة صغيرة بالعبرية بين الأشجار.
لكن لا وجود لعنوان رسمي للسفارة على موقع الحكومة الإسرائيلية.
ويشير وينتر إلى أن القاهرة ترجئ منذ 2024 اعتماد السفير الإسرائيلي الجديد بانتظار “أجواء سياسية تسمح للرئيس المصري باستقباله علنا”.
غير أن العداء الشعبي أمر، ومصالح الأمن القومي المصري أمر آخر.
ففي 1979، أرست اتفاقات كامب ديفيد خروج مصر من دائرة النفوذ الأمني السوفياتي وانضمامها إلى معسكر الولايات المتحدة الذي لا تزال فيه إلى الآن. وهذا ما يضعها في موقف دبلوماسي دقيق منذ اندلاع الحرب في غزة.
واتهمت القاهرة إسرائيل مرارا بارتكاب جرائم حرب، وسعت في الوقت نفسه للحفاظ على دور الوسيط في مفاوضات الهدنة، بدون إثارة غضب الرأي العام المصري أو استياء الولايات المتحدة، أقرب حلفاء إسرائيل.
ويقول الباحث توفيق أكليمندوس من المركز المصري للدراسات الإستراتيجية “مصر شديدة التمسك بالاتفاق كخيار إستراتيجي لها، ليس حبّا باسرائيل، بل لأن… لا أحد يريد الحرب”.